الضحى عن مسروق عن عبد الله : لم ينشق بمكة. وقال مقاتل : انشق القمر ثم التأم بعد ذلك وقيل انشق بمعنى سينشق يوم القيامة ، وأوقع الماضي موقع المستقبل وهو خلاف الإجماع وقيل انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوعه كما يسمى الصبح فلقا وأنشد النابغة (١) :
فلما أدبروا ولهم دوي |
|
دعانا عند شق الصبح داع |
وإنما ذكرت ذلك تنبيها على ضعفه. وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة فسلوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رأيناه فأنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.)
(وَإِنْ يَرَوْا) أي : كفار قريش (آيَةً) أي : معجزة له صلىاللهعليهوسلم كانشقاق القمر (يُعْرِضُوا) عنها (وَيَقُولُوا) هذا (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي : ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب مثل قولهم : قر واستقر قاله مجاهد وقتادة ، وقال أبو العالية والضحاك : مستمرّ أي : قوي شديد ، من قولهم : مر الحبل إذا صلب واشتد ، وأمررته : إذا أحكمت فتله ، واستمر الشيء إذا قوي واستحكم.
وقيل : مستمرّ أي دائم ، فإنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم كان يأتي كل زمان بمعجز فقالوا : هذا سحر مستمرّ دائم لا يختلف بالنسبة إلى شيء بخلاف سحر السحرة ، فإنّ بعضهم يقدر على أمر وأمرين وثلاثة ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكلّ قاله الزمخشري ومنه قول الشاعر (٢) :
ألا إنما الدنيا ليال وأعصر |
|
وليس على شيء قديم بمستمرّ |
وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال ألا إنّ الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم مستمرّ دائم مطرد ، وكل شيء قد انقادت طريقه ودامت حاله قيل فيه قد استمّر وقال أبو حيان : سبب نزولها أنّ مشركي قريش قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ووعدوا. بالإيمان إن فعل ذلك وقال ليلة بدر أي ليلة أربعة عشر في الشهر فسأل ربه فانشق القمر فقالوا سحر مستمرّ ولم يؤمنوا.
(وَكَذَّبُوا) بكون انشقاقه دالا على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وجزموا بالتكذيب عنادا (وَاتَّبَعُوا) أي : بمعالجة فطرتهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق (أَهْواءَهُمْ) في أنه صلىاللهعليهوسلم سحر القمر وأنه خسوف في القمر وظهور شيء في جانب آخر من الجوّ يشبه نصف القمر وأنه سحر أعيننا وأنّ القمر لم يصبه شيء فهذه أهواؤهم.
قال القشيري : إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب لأنّ الله تعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصروا الرشد واتباع الرضا مقرون بالتصديق لأنّ الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق.
(وَكُلُّ أَمْرٍ) أي : من أموركم من الخير أو الشرّ (مُسْتَقِرٌّ) أي : بأهله في الجنة أو النار وقال قتادة وكل أمر مستقرّ فالخير مستقر بأهل الخير والشرّ مستقرّ بأهل الشرّ وقيل مستقرّ قول المصدّقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعذاب ، وقيل : كل أمر مستقرّ في علم الله تعالى لا يخفى
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان النابغة ص ١٩٢.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.