يسقط من ذلك فما داسته هو الهشيم والهشيم المهشوم المكسور ، ومنه سمي هاشم لهشمه الثريد في الجفان غير أنّ الهشيم يستعمل كثيرا في الحطب المتكسر اليابس قال المفسرون كانوا كالخشب المتكسر الذي يخرج من الحظائر ، بدليل قوله تعالى : (هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [الكهف : ٤٥] وهو من باب إقامة الصفة مقام الموصوف ، وتشبيههم بالهشيم : إمّا لكونهم يابسين كالموتى الذين ماتوا من زمان ، أو لانضمام بعضهم إلى بعض فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كما يجمع الحاطب الحطب يضعه شيئا فوق شيء منتظرا حضور من يشتري منه. قال ابن عادل : ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم ، أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوقيد ، كقوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] ، وقوله تعالى : (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٥].
تنبيهات : أحدها : أنه تعالى ذكر (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) في ثلاثة مواضع ؛ ذكرها في حكاية نوح عليهالسلام بعد بيان العذاب ؛ وذكرها ههنا قبل بيان العذاب ؛ وذكرها في حكاية عاد قبل بيانه ، وبعد بيانه فحيث ذكر قبل بيان العذاب فللبيان ، كقول العارف حكاية لغير العارف : هل تعلم كيف كان أمر فلان؟ وغرضه أن يقول : أخبرني عنه وحيث ذكرها بعد بيان العذاب ذكرها للتعظيم ؛ كقول فلان : أي ضرب وأيما ضرب ، ويقول : ضربته وكيف ضربته؟ أي قويا وفي حكاية عاد ذكرها مرتين : للبيان والاستفهام.
ثانيها : أنه تعالى ذكر في حكاية نوح عليهالسلام الذي للتعظيم وفي حكاية ثمود ذكر الذي للبيان ؛ لأنّ عذاب قوم نوح كان بأمر عظيم عام وهو الطوفان الذي عمّ العالم ولا كذلك عذاب قوم هود فإنه كان مختصا بهم.
ثالثها : أنه تعالى ذكر في هذه السورة خمس قصص ، وجعل القصة المتوسطة مذكورة على أتم وجه ، لأنّ حال صالح عليهالسلام كان أتمّ مشابهة بحال محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه أتى بأمر عجيب أرضى ، وكان أعجب مما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنّ عيسى عليهالسلام أحيى الميت ، لكن الميت كان محلا للحياة ، فقامت الحياة بإذن الله تعالى في محل كان قابلا لها ، وموسى عليهالسلام انقلبت عصاه ثعبانا ، فأثبت الله تعالى له في الخشب الحياة بإذنه سبحانه ، لكن الخشبة نبات كان له قوة في النمو ، فأشبه الحيوان في النمّو ، وصالح عليهالسلام كان الظاهر في بدء خروج الناقة من الحجر ، والحجر جماد ليس محلا للحياة ، ولا محلا للنمو ، ونبينا صلىاللهعليهوسلم أتى بأعجب من الكل ، وهو المتصرّف في الجرم السماوي الذي يقول المشرك لا وصول لأحد إلى السماء ، وأمّا الأرضيات فقالوا : إنها أجسام مشتركة المواد تقبل كل واحدة منها صورة الأخرى ، والسماويات لا تقبل ذلك فلما أتى بما اعترفوا بأنه لا يقدر على مثله آدمي كان أتمّ وأبلغ من معجزة صالح عليهالسلام التي هي أتم من معجزة سائر الأنبياء غير محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) أي : على ما لنا من العظمة (الْقُرْآنَ) أي : الكتاب الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس ، (لِلذِّكْرِ) أي : الحفظ ، والتذكر ، والتدبر وحصول الشرف في الدارين ؛ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي : من ناظر بعين الإنصاف ، والتجرّد عن الهوى ليرى كل ما أخبرنا به فيعينه عليه.
ولما انقضت قصة ثمود بما تعرفه العرب بالأخبار ، ورؤية الآثار ، فقال تعالى :
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ