سبحانه أنه يجيبهم إلى إخراجها (فِتْنَةً لَهُمْ) أي : امتحانا يخالطهم به فيميلهم عن حالتهم التي وعدوا بها وتخليهم عنها ، لأنّ المعجزة فتنة لأنّ بها يتميز المثاب من المعذب ، فالمعجزة تصديق وحينئذ يفترق المصدّق من المكذب ، أو يقال : إخراج الناقة من الصخرة معجزة ودورانها بينهم وقسمة الماء كان فتنة ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) ولم يقل : مخرجوا.
(فَارْتَقِبْهُمْ) أي : كلف نفسك انتظارهم فيما يكون لهم جزاء على أعمالهم انتظار من يحرسهم (وَاصْطَبِرْ) أي : عالج نفسك واجتهد في الصبر عليهم ، وأصل الطاء في اصطبر تاء فتحولت طاء لتكون موافقة للصاد في الإطباق (وَنَبِّئْهُمْ) أي : أخبرهم إخبارا عظيما بأمر عظيم وهو (أَنَّ الْماءَ) أي : الذي يشربونه وهو ماء بئرهم (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي : بين قوم صالح عليهالسلام والناقة فغلّب العاقل عليها ، والمعنى أنا إذا بعثناها كان لهم يوم لا تشاركهم فيه ، ولها يوم لا تدع في البئر قطرة يأخذها أحد منهم وتوسع الكل بدل الماء لبنا.
(كُلُّ شِرْبٍ) أي : نصيب من الماء (مُحْتَضَرٌ) أي : فالناقة تحضر الماء يوم وردها وتغيب عنهم يوم ورودهم قاله : مقاتل ، وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غيبها فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.
تنبيه : الحكمة في قسمة الماء إمّا لأنّ الناقة عظيمة الخلق فتنفر منها حيواناتهم فكان يوم للناقة ويوم لهم ، وإمّا لقلة الماء فلا يحملهم ، وإمّا لأنّ الماء كان مقسوما بينهم لكل فريق يوم ، فيوم ورد الناقة على هؤلاء يرجعون على الآخرين وكذلك الآخرون فيكون النقصان على الكل ، ولا تختص الناقة بجميع الماء ، روي أنهم كانوا يكتفون في يوم وردها بلبنها ، وليس في الآية إلا القسمة دون كيفيتها وظاهر قوله تعالى : (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) يعضد الوجه الثالث ، وحضر واحتضر بمعنى واحد.
وقوله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) فيه حذف قبله ، أي : فتمادوا على ذلك ثم ملّوه فعزموا على عقرها فنادوا صاحبهم وهو قدّار بن سالف الذي انتدبوه بطرا وأشرا لقتل الناقة وكذبا في وعدهم الإيمان وإكرامها بالإحسان وكان أشجعهم ، وقيل كان رئيسهم.
(فَتَعاطى) أي : فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث به (فَعَقَرَ) أي : فتسبب عن ذلك عقرها ، وقيل : فتعاطى الناقة فعقرها ، أو فتعاطى السيف فقتلها ، والتعاطي تفاعل الشيء بتكليف. قال محمد بن إسحق كمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها فانتظم به عضلة ساقها ثم شدّ عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة ثم نحرها. وقال ابن عباس : كان الذي عقرها احمر أزرق أشقر أكشف أقعى يقال له قدار بن سالف ، والعرب تسمي الجزار قدار تشبيها بقدار بن سالف مشؤوم آل ثمود.
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) أي : كان على حال ووجه هو أهل لأن يجتهد في الإقبال على تعرفه والسؤال عنه (وَنُذُرِ) أي : إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله ، أي وقع موقعه.
وبينه بقوله تعالى : (إِنَّا) أي : بما لنا من العظمة (أَرْسَلْنا) أي : إرسالا عظيما (عَلَيْهِمْ صَيْحَةً) وحقر شأنهم بالنسبة إلى عظمة عذابه بقوله تعالى : (واحِدَةً) صاحها عليهم جبريل عليهالسلام فلم يكن لهم بصيحته هذه التي هي واحدة طاقة ، كما قال تعالى (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) وهو الذي يجعل لغنمه حظيرة من يابس الشجر والشوك يحفظهنّ فيها من الذئاب والسباع ، وما