الأضياف ، ليخبثوا بهم ، وكانوا ملائكة في صورة شباب مرد ؛ وأفرد لأنّ المراد الجنس (فَطَمَسْنا) أي : فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا (أَعْيُنَهُمْ) أي : أعميناها ، وجعلناها بلا شق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل عليهالسلام بجناحه ؛ وقال الضحاك : بل أعماهم الله تعالى فلم يروا الرسل وقالوا : لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فرجعوا فلم يروهم ؛ وهذا قول ابن عباس وروي أنهم صارت أعينهم مع وجوههم كالصفيحة الواحدة ؛ وقال القشيري : مسح بجناحه على وجوههم فعموا ، ولم يهتدوا للخروج.
قال ابن جرير : والعرب تقول : طمست الريح الأعلام إذا دفنتها بما تسفي عليها ، فانطلقوا هاربين مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه ، بل يصادمون الجدران خوفا مما هو أعظم من ذلك ، وهم يقولون عند ذلك لوط سحر الناس ، وما أدّتهم عقولهم إلى أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم.
قال القشيري : وكذلك أجرى الله تعالى سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم. وقوله تعالى : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي : إنذاري وتخويفي ، خطاب لهم أي : قلنا لهم على لسان الملائكة فذوقوا ، فهو خطاب مع كل مكذب أي : إن كنتم تكذبون فذوقوا. قال القرطبي : والمراد من هذا الأمر الخبر أي : فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليهالسلام.
فإن قيل : النذر كيف تذاق؟ أجيب بأنّ المراد ثمرته وفائدته.
فإن قيل : إذا كان المراد بقوله تعالى : (عَذابِي) هو العذاب العاجل وبقوله تعالى : (وَنُذُرِ) هو العذاب الآجل : فهما لم يكونا في زمان واحد ، فكيف قال تعالى : (فَذُوقُوا)؟ أجيب : بأنّ العذاب الآجل أوّله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد ، وهو قوله تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥].
(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ) أي : أتاهم وقت الصباح ؛ وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال عند الصاد ؛ والباقون : بلا إظهار ؛ وحقق المعنى بقوله تعالى : (بُكْرَةً) أي في أوّل نهار العذاب ؛ وانصرف بكرة لأنه نكرة ؛ ولو قصد به وقت بعينه امتنع الصرف للتأنيث والتعريف ؛ (عَذابٌ) أي : فقلع بلادهم ورفعها ؛ ثم قلبها وحصبها بحجارة النار وخسفها وغمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان ؛ (مُسْتَقِرٌّ) أي ثابت عليهم غير زائل ليس بخيال ولا سحر كما قالوا عند الطمس ، فإنه أهلكهم فاتصل بعذاب البرزخ المتصل بعذاب القيامة المتصل بالعذاب الأكبر في الطبقة التي تناسب أعمالهم من عذاب النار.
فقال لهم لسان الحال إن لم ينطق لسان المقال : (فَذُوقُوا) أي : بسبب أفعالكم الخبيثة (عَذابِي وَنُذُرِ.)
تنبيه : قد علم من تكرير هذا أن سبب العذاب التكذيب بالإنذار لأي رسول كان ، وكان استئناف كل قصة منبها على أنها أهل على حدتها لأن يتعظ بها.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) أي : على ما لنا من العظمة (الْقُرْآنَ) أي : الجامع الفارق بين الحق والباطل ؛ ولو شئنا لأعليناه بما لنا من القدرة إلى حد تعجز القوى عن فهمه ، كما أعليناه إلى رتبة وقفت القوى عن معارضته (لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي : فيخلص نفسه من مثل هذا الذي أوقع فيه