الصادر منهم ، ولحنه فحواه أي معناه وما يدل عليه ويلوح عليه من ميله عن حقائقه إلى عواقبه ، وما يؤول إليه أمره مما يخفى على غيرك قال أنس : ما خفي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم. وعن ابن عباس : لحن القول هو قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الانحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال (١) :
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا |
|
واللحن يعرفه ذوو الألباب |
وقيل للمخطىء : لاحن ، لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. وقال أبو حيان : كانوا اصطلحوا على ألفاظ يخاطبون بها الرسول صلىاللهعليهوسلم مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح (وَاللهُ) أي : بما له من الكمال (يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) كلها الفعلية والقولية جليها وخفيها علما ثابتا غيبيا وعلما راسخا شهوديا يتجدّد بحسب تجدّدها مستمرّا باستمرار ذلك.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي : نعاملكم معاملة المبتلى ، بأن نخالطكم بما لنا من العظمة بالأوامر الشديدة على النفوس والنواهي الكريهة إليها. (حَتَّى نَعْلَمَ) أي : بالابتلاء علما شهوديا يشهده غيرنا مطابقا لما كنا نعلمه علما غيبيا ، فنستخرج من سرائركم ما جبلناكم عليه مما لا يعلمه أحد منكم بل ولا تعلمونه حق علمه (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) في القتال وفي سائر الأعمال والشدائد والأهوال امتثالا للأمر بذلك (وَالصَّابِرِينَ) أي : على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد قال القشيري : فبالابتلاء والامتحان تتبين جواهر الرجال فيظهر المخلص ويفتضح المماذق وينكشف المنافق ا. ه.
وعن الفضيل : أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي : نخالطها بأن : نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحا وقبيحها حسنا ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان ، فإنّ العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أنّ ذلك إحسان من الله تعالى إليه فيستحي منه ويرجع ، وإذا سمى حسنه باسم القبيح وأشهر به علم أنّ ذلك لطف من الله تعالى به لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه ، والعامل للشيطان يزداد في القبائح ، لأنّ شهرته عند الناس محط نظره ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخير.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : غطوا ما دلتهم عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لا سيما بعد إرسال الرسول صلىاللهعليهوسلم المؤيد بواضح المعجزات (وَصَدُّوا) أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي : الكامل في الرسالة المعروف غاية المعرفة. (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) أي : غاية البيان بالمعجز (لَهُمُ الْهُدى) بحيث صار ظاهرا بنفسه غير محتاج ما أظهره الرسول من الآيات الظاهرة وهم قريظة والنضير والمطعمون يوم بدر (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) أي ملك الملوك (شَيْئاً) بما هم عليه من الكفر والصدّ أو لن يضرّوا رسوله صلىاللهعليهوسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته (وَسَيُحْبِطُ) أي : يفسد فيبطل بوعد لا خلف فيه (أَعْمالَهُمْ) من المحاسن لبنائها على غير أساس.
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للقتال الكلابي في ديوانه ص ٣٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٧٩.