أي : أعمال ضائعة سافلة تزيد في السرور ما يسرع اضمحلاله فيبطل من غير ثمرة (وَلَهْوٌ) أي : مشغلة يطلب بها إثارة اللذة كالغناء (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) أي : تخافوا فتجعلوا بينكم وبين غضبه سبحانه وتعالى وقاية من جهاد أعدائه ، وذلك من أعمال الآخرة (يُؤْتِكُمْ) أي : الله سبحانه الذي فعلتم ذلك من أجله في الدار الآخرة (أُجُورَكُمْ) أي : ثواب كل أعمالكم ببنائها على الأساس ، ولأنه غنيّ لا ينقصه الإعطاء (وَلا يَسْئَلْكُمْ) أي : الله في الدنيا (أَمْوالَكُمْ) أي : لنفسه ولا كلها لغيره ، بل يقتصر على جزء يسير مما تفضل به عليكم كربع العشر وعشره.
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) أي : كلها (فَيُحْفِكُمْ) أي : يبالغ في سؤالكم ويبلغ فيه الغاية حتى يستأصلها فيجهدكم بذلك ، فالإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح ، وأحفى شاربه استأصله (تَبْخَلُوا) فلا تعطوا شيئا (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أي : ما تضغنون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والضمير في يخرج لله تعالى أو الرسول أو السؤال ، أو البخل ، واقتصر عليه الجلال المحلي ، قال قتادة : علم الله تعالى أنّ في مسألة الأموال خروج الأضغان يعني ما طلبها ولو طلبها وألح عليكم في الطلب لبخلتم كيف وأنتم تبخلون باليسير فكيف لا تبخلون بالكثير.
(ها أَنْتُمْ) وحقر أمرهم بقوله تعالى : (هؤُلاءِ) أي : أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ، وقوله تعالى (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : الملك الأعظم الذي يرجى خيره ولا يخشى غيره استئناف مقرّر لذلك أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرها (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) أي : ناس يبخلون ، وحذف القسم الآخر وهو ومنكم من يجود ، لأنّ المراد الاستدلال على ما قبله من البخل ولما كان بخله عمن أعطاه المال بجزء يسير منه إنما طلبه لينفع المطلوب منه فقط زاد العجب بقوله تعالى : (وَمَنْ) أي : والحال أنه من (يَبْخَلُ) بذلك (فَإِنَّما يَبْخَلُ) بماله بخلا ضارّا (عَنْ نَفْسِهِ) فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدّي فإنه إمساك عمن يستحق (وَاللهُ) أي : الملك الأعظم الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال (الْغَنِيُ) وحده عن نفقتكم (وَأَنْتُمُ) أيها المكلفون خاصة (الْفُقَراءُ) لاحتياجكم في جميع أحوالكم إليه (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عطف على (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي : يخلق قوما سواكم على خلاف صفتكم راغبين في الإيمان والتقوى (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في التولي عنه والزهد في الإيمان كقوله تعالى (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٩] قيل : هم الملائكة. وقيل الأنصار وعن ابن عباس : كندة والنخع وعن الحسن : العجم وعن عكرمة : فارس والروم «وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال : هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس» (١) رواه الترمذي والحاكم وصححاه وما رواه البيضاويّ تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة محمد كان حقا على الله تعالى أن يسقيه من أنهار الجنة» (٢) حديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٦٠ ، ٣٢٦١ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٦٧ ، والطبري في تفسيره ٢٦ / ٤٣ ، وابن كثير في تفسيره ٧ / ٣٠٦ ، والقرطبي في تفسيره ١٦ / ٢٥٨.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.