أدنى أهل الجنة منزلة وما منهم دنيء لمن يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم مع كل واحد منهم ظريفة ليست مع صاحبه.
«وفي تعلق اللام في قوله تعالى : (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) وجهان أحدهما : أنّها متعلقة بأنشأناهن أي : لأجل أصحاب اليمين والثاني : أنها متعلقة بأترابا كقولك : هذا ترب لهذا أي : مساو له.
ثم بينهم بقوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي : من أصحاب اليمين (وَثُلَّةٌ) أي : منهم (مِنَ الْآخِرِينَ) فلم يبين فيهم قلة ولا كثرة ، قال البقاعي : والظاهر أنّ الآخرين أكثر فإن وصف الأولين بالكثرة لا ينافي كون غيرهم أكثر ليتفق مع قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة فإنهم عشرون ومئة صف هذه الأمة منهم ثمانون صفا وأربعون من سائر الأمم» (١). وعن عروة بن رويم قال : لما نزل قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) بكى عمر وقال : يا نبيّ الله آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منّا قليل فأنزل الله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر فقال : «قد أنزل الله تعالى فيما قلت فقال عمر : رضينا عن ربنا وتصديق نبينا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من آدم إلينا ثلة ومنا إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها الأسود من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله» (٢).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه : قال : «عرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان ، والنبي معه الرهط ، والنبي ليس معه أحد ، ورفع إلي سواد عظيم فقلت إنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فتفرق الناس ، ولم يبين لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتذاكر أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أما نحن فولدنا في الشرك ولكنّا آمنا بالله ورسوله ، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا ، فبلغ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك فقال : «هم الذين لا يتطيرون ، ولا يسترقون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله تعالى أن يجعلني منهم ، فقال : أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها عكاشة» (٣). والرهط دون العشرة وقيل إلى الأربعين. وعن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «عرضت عليّ الأنبياء الليلة باتباعها حتى أتى على موسى في كبكبة بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني فقلت : أي رب من هؤلاء؟ قيل : هو أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل ، قلت : يا رب وأين أمتي؟ قيل : انظر عن يمينك فنظرت فإذا ظراب مكة قد سدّ بوجوه الرجال ، فقال : هؤلاء أمتك أرضيت؟ فقلت : رضيت رب ، قيل : انظر عن يسارك فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال ، فقيل : هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت : رب رضيت فقيل : إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة لا حساب عليهم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا ، وإن عجزتم
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ١ / ١٥٥.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٣) أخرجه البخاري في الطب حديث ٥٧٠٥ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٢٠ ، والترمذي في القيامة حديث ٢٤٤٦.