للقادم ليبرد به غلة عطشه ويغسل به وجهه ويديه (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) أي : ونزل من تصلية جحيم ، والمعنى : إدخال في النار ؛ وقيل : إقامة في الجحيم ومقاساة لأنواع عذابها ، يقال : أصلاه النار وصلاه أي : جعله يصلاها والمصدر هنا مضاف إلى المفعول كما يقال : لفلان إعطاء ما له أي : يعطي المال (إِنَّ هذا) أي : الذي ذكر في هذه السورة من أمر البعث الذي كذبوا به في قولهم : أننا لمبعوثون ومن قيام الأدلة عليه (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أي : حق الخبر اليقين أي : لما عليه من الأدلة القطعية المشاهدة كأنه مشاهد مباشر ، وقيل : إنما جاز إضافة الحق إلى اليقين وهما واحد لاختلاف لفظهما وذلك من باب إضافة المترادفين
ولما حقق له تعالى إلى هذا اليقين سبب عن أمره لنبيه صلىاللهعليهوسلم بالتنزيه عما وصفوه به مما يلزم منه وصفه بالعجز فقال تعالى : (فَسَبِّحْ) أي : أوقع التنزيه كله عن كل شائبة نقص بالاعتقاد والقول والفعل بالصلاة وغيرها بأن تصفه بكل ما وصف به نفسه من الأسماء الحسنى وتنزهه عن كل ما نزه نفسه عنه (بِاسْمِ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بما خصك به مما لم يعطه أحدا غيرك وإذا كان هذا لاسمه فكيف بما هو له (الْعَظِيمِ) الذي ملأت عظمته جميع الأقطار والأكوان وزادت على ذلك بما لا يعلمه حق العلم سواه ، لأنّ من له هذا الخلق على هذا الوجه المحكم وهذا الكلام الأعز الأكرم لا ينبغي لشائبة نقص أن تلم بجنابه أو تدنو من فناء بابه ، وعن عقبة بن عامر قال : «لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : اجعلوها في سجودكم» (١). أخرجه أبو داود وعن أبي ذر قال : «قال لي عليه الصلاة والسلام : ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله تعالى سبحان الله وبحمده» (٢). وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» (٣) هذا الحديث آخر حديث في البخاري وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قال : «سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة» (٤). «روى أبو طيبة عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا» (٥) ورواه البيهقي وغيره وكان أبو طيبة لا يدعها أبدا وأخرجه ابن الأثير في كتابه جامع الأصول ولم يعزه.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ٨٦٩ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٨٨٧ ، والدارمي في الصلاة حديث ١٣٠٥ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٥٥.
(٢) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٣١.
(٣) أخرجه البخاري في الدعوات حديث ٦٤٠٦ ، والأيمان والنذور حديث ٦٦٨٢ ، ومسلم في الذكر حديث ٢٦٩٤ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٤٦٧ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٨٠٦.
(٤) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٤٦٤.
(٥) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ١٥٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٢٦٤٠ ، ٢٧٠١ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٢١٨١.