التي تتصف به لا يظهر عليها أحد والدين الذي قضاه لأجله لا ينسخه شيء ، فإن قيل : إنّ الله تعالى وصف النصر بكونه عزيزا والعزيز من له النصر أجيب من وجهين :
أحدهما : قال الزمخشري : إنه يحتمل وجوها ثلاثة :
الأوّل : معناه نصرا ذا عزة كقولك في عيشة راضية أي ذات رضا ثانيها : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا يقال له : كلام صادق. كما يقال له متكلم صادق. ثالثها : المراد نصرا عزيزا صاحبه.
الوجه الثاني : أن يقال إنما يلزم ما ذكره الزمخشري إذا قلنا العزة في الغلبة والعزيز الغالب ، وأما إذا قلنا العزيز هو النفيس القليل النظير أو المحتاج إليه القليل الوجود يقال عز الشيء في سوق كذا أي قل وجوده مع أنه محتاج إليه فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله تعالى من الكفار المقيمين فيه من غير عدد ولا عدد.
(هُوَ) أي : وحده (الَّذِي أَنْزَلَ) أي : في يوم الحديبية وغيره (السَّكِينَةَ) أي : الثبات على الدين والطمأنينة (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : الراسخين في الإيمان وهم أهل الحديبية بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس ويزيغ القلوب من صدّ الكفار ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصودهم فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا حتى عمر مع أنه فاروق ومع وصفه في الكتب السالفة بأنه قرن من حديد فما الظنّ بغيره ، وكان عند الصديق من القدم الثابت والأصل الراسخ ما علم به أنه لم يسابق ثم ثبتهم الله تعالى أجمعين. وقال الرازي : السكينة الثقة بوعد الله والصبر على حكم الله. وقيل : السكينة ههنا معنى يجمع فوزا وقوة وروحا يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين.
وأثر هذه السكينة الوقار والخشوع وظهور الحزم في الأمور ا. ه وقال أكثر المفسرين إن هذه السكينة غير السكينة المذكورة في قوله تعالى : (يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ٢٤٨] ويحتمل أن تكون هي تلك لأنّ المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلب (لِيَزْدادُوا) أي : بتصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم حين قال لهم : إنه لا بدّ أن تدخلوا مكة وتطوفوا بالبيت (إِيماناً) عند التصديق بالغيب (مَعَ إِيمانِهِمْ) الثابت من قبل هذه الواقعة أو بشرائع الدين مع إيمانهم بالله واليوم الآخر وقال القشيري : بطلوع أقمار عين اليقين على نجوم علم اليقين ثم بطلوع شمس حق اليقين على بدر عين اليقين. وقال ابن عباس : بعث الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدّقوا زادهم الصلاة ، ثم الزكاة ، ثم الصيام ، ثم الحج ، ثم الجهاد ، حتى أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم. وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم وقيل : ازدادوا إيمانا استدلالا مع إيمانهم الفطري. فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى في حق الكفار (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] ولم يقل مع كفرهم ، وقال في حق المؤمنين (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)؟ أجيب بأنّ كفر الكافر عنادي وليس في الوجود كفر فطري ولا في الإمكان كفر غير عنادي لينضم إلى الكفر العنادي بل الكفر ليس إلا عنادا وكذلك الكفر بالفروع ، لا يقال انضم إلى الكفر بالأصول ، لأنّ من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد. ولهذا قال تعالى (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ).