(وَلِلَّهِ) أي : الملك الأعظم الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين (جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو قادر على إهلاك عدوّه بجنوده بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائه بأيديهم فيكون لهم الثواب وجنود السموات والأرض الملائكة. وقيل : جنود السموات الملائكة وجنود الأرض الجنّ والحيوانات. وقيل : الأسباب السماوية والأرضية (وَكانَ اللهُ) أي : الملك الأعظم أزلا وأبدا (عَلِيماً) أي : بالذوات والمعاني (حَكِيماً) في إتقان ما يصنع.
وقوله تعالى : (لِيُدْخِلَ) متعلق بمحذوف أي : أمر بالجهاد ليدخل (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الذين جبلتهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين ، ولو سلط على الكفار جنوده من أوّل الأمر فأهلكوهم أو دمّر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة ، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية (جَنَّاتٍ) أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فأي موضع أردت أن تجري منه نهرا قدرت على ذلك ؛ لأنّ الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها (خالِدِينَ فِيها) أي لا إلى آخر ، فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٢٣] أجيب بأنه في المواضع التي فيها ما يوهم اختصاص المؤمنين بالخير الموعود به مع مشاركة المؤمنات لهم ذكرهنّ الله تعالى صريحا وفي المواضع التي فيها ما لا يوهم ذلك اكتفى بدخولهم في المؤمنين كقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ولما كان ههنا قوله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلقا بالأمر بالقتال والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنة الموعود بها فصرح الله تعالى بذكرهنّ (وَيُكَفِّرَ) أي يستر سترا بليغا (عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) فلا يظهرها ، فإن قيل : تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعده أجيب بأنّ الواو لا تقتضي الترتيب وبأنّ تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الادخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة (وَكانَ ذلِكَ) أي : الإدخال والتكفير (عِنْدَ اللهِ) أي : الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام (فَوْزاً عَظِيماً) لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع ودفع ضر.
تنبيه : (عِنْدَ) متعلق بمحذوف على أنه حال من (فَوْزاً) ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدوّ وكان العدوّ الكاتم أشدّ من المجاهر المراغم. قال تعالى :
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) المخفين للكفر المظهرين الإيمان أي : فيزيل كل ما لهم من العذوبة (وَالْمُنافِقاتِ) لما غاظهم من ازدياد الإيمان (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) أي : المظهرين الكفر للمؤمنين وقدّم المنافقين على المشركين في كثير من المواضع ؛ لأنهم كانوا أشدّ على المؤمنين من الكفار المجاهرين ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر ويخالط المنافق لظنه إيمانه وكان يفشي أسراره وإلى هذا أشار النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك» (١) ولهذا قال الشاعر (٢) :
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٢٠٦ ، ٩ / ٣٣ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ٣ / ٤ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٤٣.
(٢) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.