مازلت تحسب كل شيء بعدهم |
|
خيلا تكرّ عليهم ورجالا |
ومنه قول الآخر (١) :
كأنّ بلاد الله وهي عريضة |
|
على الخائف المطلوب كفة حابل |
يخال إليه أنّ كل ثنية |
|
تيممها ترمي إليه بقاتل |
(هُمُ الْعَدُوُّ) أي : الكامل العداوة بما دل عليه الإخبار بالمفرد الذي يقع على الجمع ، إشارة إلى أنهم في شدّة عداوتهم للإسلام وأهله ، وكمال قصدهم وشدّة سعيهم فيه على قلب رجل واحد ، وإن أظهروا التودّد في الكلام ، والتقرّب به إلى أهل الإسلام فإنّ ألسنتهم معكم إذا لقوكم ، وقلوبهم عليكم مع أعدائكم فهم عيون لهم عليكم (فَاحْذَرْهُمْ) لأنّ أعدى عدوّك من يعاشرك وتحت ضلوعه الداء لكنه يكون بلطف الله دائم الخذلان منكوسا في أكثر تقلباته بيد القهر والحرمان لسرّ قوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ) أي : أحلهم الملك المحيط قدرة وعلما محل من يقاتله عدوّ قاهر له أشدّ مقاتلة على عادة الفعل الذي يكون بين اثنين.
وقال ابن عباس : أي لعنهم الله ، وقال أبو مالك : هي كلمة ذم وتوبيخ ، وقد تقول العرب : قاتله الله ما أشعره فيضعونه موضع التعجب (أَنَّى) أي : كيف ، ومن أيّ جهة (يُؤْفَكُونَ) أي : يصرفهم عن قبح ما هم عليه صارف ما كائن ما كان ليرجعوا عما هم عليه ، وقال ابن عباس : أنى يؤفكون ، أي : يكذبون ، وقال مقاتل : أي : يعدلون عن الحق ، وقال الحسن : يصرفون عن الرشد ، وقيل : معناه كيف تضل عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل ، وهو من الإفك.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي : من أيّ قائل كان (تَعالَوْا) أي : ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه عاليا لعلوّ مكانته (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) أي : يطلب الغفران لأجلكم خاصة من أجل هذا الكذب أي : الذي أنتم مصرّون عليه (رَسُولُ اللهِ) أي : أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لوجوده (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) أي : فعلوا اللي بغاية الشدّة والكثرة ، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضا وعتوا ، وإظهارا للبغض والنفرة (وَرَأَيْتَهُمْ) أي : بعين البصيرة (يَصُدُّونَ) أي : يعرضون إعراضا قبيحا عما دعوا إليه ، مجدّدين لذلك كلما دعوا إليه ، والجملة في وضع المفعول الثاني لرأيت (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) أي : ثابتوا الكبر عما دعوا إليه ، وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار فهم لشدّة غلظهم لا يدركون قبح ما هم عليه ، ولا يهتدون إلى دوائه ، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينتبهون.
فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين ، وقالوا : ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتوبوا إليه من النفاق ، واسألوه أن يستغفر لكم فلووا رؤوسهم ، أي : حرّكوها إعراضا وإباء قاله ابن عباس.
وعنه : أنه كان لعبد الله بن أبي موقف في كل سبت يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ، فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عليك غضبان ، فأته يستغفر لك فأبى ، وقال : لا أذهب إليه. وروي أنّ ابن أبيّ رأسهم لوى رأسه ، وقال لهم : أشرتم عليّ بالإيمان فآمنت ، وأشرتم عليّ
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما بلا نسبة في لسان العرب (كفف) ، وتهذيب اللغة ٤ / ١٣٩ ، وتاج العروس (كفف) ، والأغاني ١٣ / ١٨٢.