الذي قتله الخضر طبع على الكفر» (١) وقال تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] وروى أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «وكل الله بالرحم ملكا ، فيقول : أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها ، قال : يا رب ذكر أم أنثى ، شقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الأجل ، فيكتب ذلك في بطن أمه» (٢) وقال الضحاك : فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في العلانية والسرّ ، كعمار وزيد. وقال عطاء بن أبي رباح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب ، يعني : في شأن الأنواء كما جاء في الحديث. قال القرطبي : وقال الزجاج : وهو أحسن الأقوال.
والذي عليه الأئمة أن الله خلق الكافر وكفره فعل له ، وكسب واختيار ، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له ، وكسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته ، فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأنّ الله تعالى أراد ذلك منه وقدّره عليه وعلمه منه ، والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأنّ الله تعالى قدره عليه وعلمه منه ، ولا يجوز أن يوجد من كل منهما غير الذي قدره عليه وعلمه منه ، لأنّ وجود خلاف المقدور عجز ، ووجود خلاف المعلوم جهل فلا يليقان بالله تعالى. قال البغوي : وهذا طريق أهل السنة ، من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.
قال الرازي : فإن قيل : إنه تعالى حكيم وقد سبق في علمه أنه تعالى إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر فأيّ حكمة دعت إلى خلقهم؟.
فالجواب : إذا علمنا أنه تعالى حكيم علمنا أنّ أفعاله كلها على وفق الحكمة فيكون خلقه تعالى هذه الطائفة على وفق الحكمة ، ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك ، بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة (وَاللهُ) أي : الذي له الإحاطة الكاملة (بِما تَعْمَلُونَ) أي : توقعون عمله كسبا (بَصِيرٌ) أي : بالغ العلم بذلك ، فهو الذي خلق جميع أعمالكم التي نسب كسبها إليكم ، وهو خالق جميع الاستعدادات والصفات كما خلق الذوات خلافا للقدرية ، لأنه لا يتصور أن يخلق الخالق ما لا يعلمه ، ولو سئل الإنسان كم مشى في يومه من خطوة لم يدر فكيف لو سئل أين موضع مشيه ، ومتى زمانه فكيف ، وإنه ليمشي أكثر مشيه وهو غافل عنه ، ومن جهل أفعاله كما وكيفا وأينا وغير ذلك لم يكن خالقا لها بوجه.
ولما ذكر المظروف ذكر ظرفه دالا على تمام إحاطته بالبواطن والظواهر.
وقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ) أي : على علوها وكبرها (وَالْأَرْضَ) على سعتها (بِالْحَقِ) أي : بالأمر الذي يطابقه الواقع لما أراد (وَصَوَّرَكُمْ) أي : آدم عليهالسلام خلقه بيده كرامة له. قال مقاتل : وقيل : جميع الخلائق على صور لا توافق شيئا من صور العلويات ، ولا السفليات ، ولا فيها صور توافق الأخرى من كل وجه (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فجعلها أحسن الحيوانات كلها كما هو مشاهد ، وبدليل أن الإنسان لا يتمنى أن يكون على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أن خلقه منتصبا غير منكب كما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] كما يأتى إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) أخرجه مسلم في القدر حديث ٢٦٦١ ، وأبو داود في السنة حديث ٤٧٠٥.
(٢) أخرجه البخاري في القدر حديث ٦٥٩٥ ، ومسلم في القدر حديث ٢٦٤٦.