فإن قيل : قد يوجد في أفراد هذا النوع من كل مشوه الخلقة سمج الصورة.
أجيب : بأنه لا سماجة لأن الحسن في المعاني ، وهو على طبقات ومراتب ، فانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقه لا يمنع حسنه ، فهو داخل في حيز الحسن غير خارج عن حدّه ، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه. ولذا قال الحكماء : شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ، فقدرة الله سبحانه وتعالى لا تتناهى.
قال البقاعي : فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الغزالي إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه لا يقدر أن يخلق أحسن من هذا العالم ، وهذا لا يقوله أحد ، ا. ه. وهو لا ينقص مقدار الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه كما قال الإمام مالك ، وعزاه الغزالي نفسه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال الشافعي : صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهدا وإني لا علم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ولما كان التقدير فكان منه سبحانه المبدأ عطف عليه قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ) وحده (الْمَصِيرُ) أي : المرجع بعد البعث فيجازى كلا بعمله.
(يَعْلَمُ) أي : علمه حاصل في الماضي والحال والمآل (ما) أي : كل شئ (فِي السَّماواتِ) أي : كلها (وَالْأَرْضِ) كذلك (وَيَعْلَمُ) أي : على سبيل الاستمرار (ما تُسِرُّونَ) أي : تخفون (وَما تُعْلِنُونَ) أي : تظهرون من الكليات والجزئيات (وَاللهُ) أي : الذي له الإحاطة التامة (عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم (بِذاتِ) أي : صاحبة (الصُّدُورِ) من الأسرار والخواطر التي لم تبرز في الخارج سواء كان صاحب الصدر قد علمها أم لا ، وعلمه لكل ذلك على حد سواء لا تفاوت فيه بين علم الخفي وعلم الجلي نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ، ثم يعلم ما يسره العباد ويعلنونه ، ثم بعلمه ذوات الصدور إن شيئا من الجزئيات والكليات غير خاف عليه ، ولا عازب عنه ، ولا يجترىء على شيء مما يخالف رضاه ، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد ، وكل ما ذكره بعد قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) كما ترى في معنى الوعيد على الكفر ، وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته.
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ) أيها الناس ولا سيما الكفار (نَبَأُ) أي : خبر (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) كقوم نوح وهود وصالح (فَذاقُوا) أي : باشروا مباشرة الذائق (وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي : ضرر كفرهم في الدنيا ، وأصله الثقل ، ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة ، والوابل : المطر الثقيل القطر (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم في البرزخ ثم يوم القيامة التي هي موضع الفصل الأعظم.
(ذلِكَ) أي : الأمر العظيم من الوبال الدال قطعا على أن الكفر أبطل الباطل وأنه مما يغضب الخالق (بِأَنَّهُ) أي : بسبب أن الشان العظيم البالغ في الفظاعة (كانَتْ تَأْتِيهِمْ) على عادة مستمرة (رُسُلُهُمْ) أي : رسل الله الذين أرسلهم إليهم (بِالْبَيِّناتِ) أي : الحجج الظاهرات على الإيمان (فَقالُوا) أي : الكل لرسلهم منكرين غاية الإنكار تكبرا ، وقولهم : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) يجوز أن يرتفع بشر على الفاعلية ويكون من الاشتغال ، وهو الأرجح لأن الأداة تطلب الفعل ، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبر ، وجمع الضمير في يهدوننا ؛ إذ البشر اسم جنس ، وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع فيكون اسما للجنس ، وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] فأنكروا على الملك الأعظم إرساله لهم (فَكَفَرُوا) أي : بهذا القول ؛ إذ قالوه استصغارا ولم