أزلا وأبدا (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) منها ومن غيرها (قَدِيراً) أي : بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم.
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أهل مكة ومن وافقهم وكانوا قد اجتمعوا وجمعوا الأحابيش ومن أطاعهم وقدّموا خالد بن الوليد طليعة لهم إلى كراع الغميم ولم يكن أسلم بعد (لَوَلَّوُا) أي : بغاية جهدهم (الْأَدْبارَ) منهزمين (ثُمَ) أي : بعد طول الزمان وكثرة الأعوان (لا يَجِدُونَ) أي : في وقت من الأوقات (وَلِيًّا) أي : من يفعل معهم فعل القريب من الشفقة (وَلا نَصِيراً) ينصرهم.
ولما كانت هذه عادة جارية قديمة مع أولياء الله تعالى حيثما كانوا من الرسل وأتباعهم (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧٣]. قال تعالى : (سُنَّةَ اللهِ) أي سنّ المحيط بكل شيء علما غلبة أنبيائه وأتباعهم التي قد خلت من قبل أي فيمن مضى من الأمم. كما قال تعالى : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١](وَلَنْ تَجِدَ) أيها السامع (لِسُنَّةِ اللهِ) أي : الذي لا يخلف قوله ، لأنه محيط بجميع صفات الكمال (تَبْدِيلاً) أي : تغييرا من مغيّر ما يغيرها بما يكون بدلها ثم عطف على ما تقديره هو الذي سنّ هذه السنة العامة.
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَ) أي : وحده (أَيْدِيَهُمْ) أي : الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم. فإنّ الكف مشروع لكل أحد (عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) أيها المؤمنون (عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) أي : بالحديبية وقيل التنعيم. وقيل وادي مكة. وقيل : داخل مكة (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ) أي : أظهركم (عَلَيْهِمْ) وهذا تبيين لما تقدّم من قوله تعالى : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) [الفتح : ٢٢] بتقدير أنه كما كف أيديهم عنكم بالفرار وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم روى ثابت عن أنس بن مالك «أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي صلىاللهعليهوسلموأصحابه فأخذهم سلمان فاستحياهم فنزلت هذه الآية» (١). وقال عبد الله بن مغفل
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجهاد حديث ١٨٠٨ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٨٨ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٢٢٦٤.