التقوى إذا انفردت في القرآن عن مقارن عمت الأمر والنهي ، وإن اقترنت بغيرها نحو إحسان أو رضوان خصت المناهي (يَجْعَلْ) أي : بسبب التقوى (لَهُ مَخْرَجاً) جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على اتقائه عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن ، وتعدي حدود الله تعالى. روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم «سئل عمن طلق ثلاثا أو ألفا هل له من مخرج فتلاها» (١) وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والثعلبي والضحاك : هذا في الطلاق خاصة ، أي : من طلق كما أمره الله تعالى يكن له مخرج في الرجعة في العدة ، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا : يجعل له مخرجا ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ، وقيل : المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه ، قاله علي بن صالح. وقال الكلبي : ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة ، وقال الحسن : مخرجا مما نهى الله عنه ، وقال أبو العالية : مخرجا من كل شدة ، وقال الربيع بن خيثم : مخرجا من كل شيء ضاق على الناس ، وقال الحسين بن الفضل : ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة.
(وَيَرْزُقْهُ) أي : الثواب (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أي : يبارك له فيما أتاه ، وقال سهل ابن عبد الله : ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة البدع ، ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب ، وقال أبو سعيد الخدري : ومن تبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله تعالى يجعل له مخرجا مما كلفه الله بالمعونة له ، وتأول ابن مسعود ومسروق الآية على العموم ، وهذا هو الذي يقوى عندي.
وقال أبو ذر : «قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إني لأعلم آيه لو أخذ الناس بها لكفتهم ، وتلا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) قال : مخرجا من شبهات الدنيا ، ومن غمرات الموت ، ومن شدائد يوم القيامة» (٢).
وقال أكثر المفسرين : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا له يسمى سالما فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشتكي إليه الفاقة ، وقال : إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال صلىاللهعليهوسلم «اتق الله واصبر ، وآمرك وإياها أن تكثرا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقالت : نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى المدينة وهي أربعة آلاف شاة فنزلت الآية ، وجعل النبي صلىاللهعليهوسلم تلك الأغنام له» (٣) وروي أنه جاء وقد أصاب إبلا من العدو ، وكان فقيرا. فقال الكلبي : إنه أصاب خمسين بعيرا ، وفي رواية فأفلت ابنه من الأسر وركب ناقة لقوم فمر بسرح لهم فاستاقه ، وقال مقاتل : أصاب غنما ومتاعا ، فقال أبوه للنبي صلىاللهعليهوسلم : أيحل لي أن آكل مما أتى به ابني قال : نعم ونزل (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وروى الحسن عن عمران بن
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه الدارمي في الرقاق حديث ٢٧٢٥ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٣٠٦.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.