فقال : تلك حفصة وعائشة ، قال : فقلت له : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذه منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال : فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك» (١) ، وفي رواية قال : وا عجبا لك يا ابن عباس.
قال الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه ، قال : هما عائشة وحفصة ، ثم أخذ يسوق الحديث ، قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار وكان منزلي في بني أمية وهم من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على النبي صلىاللهعليهوسلم فينزل يوما وأنزل يوما ، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك. وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فصحت على امرأتي فراجعتني ، فأنكرت أن تراجعني قالت : لم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت لها : أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلىاللهعليهوسلم اليوم حتى الليل ، قالت : نعم ، فقلت : قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله لا تراجعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا تسأليه شيئا ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد عائشة رضي الله عنها قال عمر : كنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل الأنصاري يوما نوبته ثم أتاني عشاء فضرب بابي ضربا شديدا ، ففزعت فخرجت إليه فقال : قد حدث اليوم أمر عظيم ، قلت : ما هو أجاء غسان؟ قال : لا بل أعظم من ذلك وأهول ، طلق النبي صلىاللهعليهوسلم نساءه ، فقلت : خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت : أطلقكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة فأتيت غلاما له أسود فقلت : أستأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، ثم انطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم ، فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام ، فقلت : أستأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال : ذكرتك له فصمت فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني ، فقال : ادخل فقد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير وليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف ، ثم قلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك فرفع إلي بصره ، وقال : لا ، فقلت : الله أكبر قلت وأنا قائم لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فتبسم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني دخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد عائشة ، فتبسم النبي صلىاللهعليهوسلم تبسمة أخرى فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارسا والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا ، وهم لا يعبدون الله فجلس النبي صلىاللهعليهوسلم وكان متكئا ، وقال : «أوفي هذا أنت يا ابن الخطاب ، إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا» فقلت : يا رسول الله استغفر الله لي فاعتزل النبي صلىاللهعليهوسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة ، وكان قال : «ما أنا بداخل عليهن شهرا» من شدة
__________________
(١) أخرجه مسلم في الطلاق حديث ١٤٧٩.