وقوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) أي : الملك الأعظم شرط ، وفي جوابه وجهان : أحدهما : قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) والمعنى : أن تتوبا فقد وجد منكما ما يوجب التوبة ، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حب ما يحب وكراهة ما يكره. وصغت : مالت وزاغت عن الحق ، قال القرطبي : وليس قوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) جواب الشرط لأن هذا الصغو كان سابقا فجزاء الشرط محذوف للعلم به أي : أن تتوبا كان خيرا لكما إذ قد صغت قلوبكما. الثاني : أن الجواب محذوف تقديره : فذلك واجب عليكما ، أو فتاب الله عليكما ، قاله أبو البقاء. ودل على المحذوف (فَقَدْ صَغَتْ) لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب. قال بعضهم : وكأنه زعم أن ميل القلب ذنب ، وكيف يحسن أن يكون جوابا وقد غفل عن المعنى المصحح لكونه جوابا.
تنبيه : قوله تعالى : (قُلُوبُكُما) من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالا لمجيء تثنيتين لو قيل : قلباكما ، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما لأنه لا يشكل ، والأحسن في هذا الباب الجمع ثم الإفراد ثم التثنية كقوله (١) :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ ال |
|
غيظ الذي من شأنه لم يرفع |
وقال ابن عصفور : لا يجوز الإفراد إلا في ضرورة ، كقوله (٢) :
حمامة بطن الواديين ترنمي |
|
سقاك من الغر الغوادى مطيرها |
وتبعه أبو حيان ، وغلط ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية. قال ابن عادل : وليس بغلط لكراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس ، وقوله تعالى (إِنْ تَتُوبا) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، والمراد بهذا الخطاب إما المؤمنتان بنتا الشيخين الكريمين عائشة وحفصة حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنهما كرها ما أحبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من إحباب جاريته وإحباب العسل ، وكان صلىاللهعليهوسلم يحب العسل والنساء.
وقال ابن زيد : مالت قلوبكما بأن سرهما أن يحتبس عن أم ولده ، فسرهما ما كرهه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : قد مالت قلوبكما إلى التوبة.
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : «مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجع وكان ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت حتى فرغ ، ثم سرت معه بإداوة ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ ، فلما رجع قلت : يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) يروى البيت بلفظ :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ |
|
كنوافذ العبط التي لا ترقع |
والبيت من الكامل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الدرر ١ / ١٥٨ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٧٢٦ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٤٠ ، ولسان العرب (خلس) ، (عبط) ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ٥١.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للشماخ في ملحق ديوانه ص ٤٣٨ ، ٤٤٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨٦ ، وللمجنون في ديوانه ص ١١٣ ، ولتوبة بن الحمير في الأغاني ١١ / ١٩٨ ، والدرر ١ / ١٥٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٥٣ ، وبلا نسبة في المقرب ٢ / ١٢٩.