زيد بن أسلم : وعاد إلى مارية ، وقال الحسن : لم يكفر عليهالسلام لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة. قال ابن عادل : والأول أصح ، وأن المراد بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم الأمة تقتدي به في ذلك (وَاللهُ) أي : والحال أن المختص بأوصاف الكمال (مَوْلاكُمْ) أي : يفعل معكم فعل القريب الصديق فهو سيدكم ومتولي أموركم (وَهُوَ) أي : وحده (الْعَلِيمُ) أي : البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له. (الْحَكِيمُ) أي : الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئا منه.
والعامل في قوله تعالى : (وَإِذْ) اذكر فهو مفعول به لا ظرف ، والمعنى اذكر إذ (أَسَرَّ النَّبِيُ) أي : الذي شأنه أن يرفعه الله تعالى دائما فإنه ما ينطق عن الهوى (إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) وأبهمها لم يعينها تشريفا له صلىاللهعليهوسلم ولها وهي حفصة صيانة لهن لأن حرمتهن من حرمته صلىاللهعليهوسلم (حَدِيثاً) ليس هو من شأن الرسالة ولو كان من شأنها لعم به ولم يخص به ، ولا أسره وذلك هو تحريمه فتاته على نفسه ، وقوله لحفصة : لا تخبري بذلك أحدا ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : أسرّ أمر الخلافة بعده فحدثت حفصة ، وقال الكلبي : أسرّ إليها إن أباك وأب عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي ، وقال ميمون بن مهران : أسر أن أبا بكر خليفتي من بعدي (فَلَمَّا نَبَّأَتْ) أي : أخبرت (بِهِ) عائشة ظنا منها أنه لا حرج عليها في ذلك (وَأَظْهَرَهُ اللهُ) أي : أطلعه الملك الذي له الإحاطة بكل شيء (عَلَيْهِ) أي : الحديث على لسان جبريل عليهالسلام بأنه قد أفشى مناصحة له في إعلامه بما يقع في غيبته ليحذره إن كان شرا ويثبت عليه إن كان خيرا وقيل : أظهر الله الحديث على النبي صلىاللهعليهوسلم من الظهور (عَرَّفَ) أي : النبي صلىاللهعليهوسلم التي أسرّ إليها (بَعْضَهُ) أي : بعض ما فعلت (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أي : إعلام بعض تكرما منه أن يستقصي في العبارات وحياء وحسن عشرة ، قال الحسن : ما استقصى كريم قط ، وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام ، وإنما عاتبها على ذكر الإمامة وأعرض عن ذكر الخلافة خوفا من أن ينتشر في الناس ، فربما أثار حسد بعض المنافقين وأورث الحسود للصديق كيدا.
وقال بعض المفسرين : إنه أسر إلى حفصة شيئا فحدثت به غيرها فطلقها مجازاة على بعضه ، ولم يؤاخذها بالباقي وهو من قبيل قوله تعال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة : ١٩٧] أي : يجازيكم عليه ، وقيل : المعرّف حديث الإمامة ، والمعرض عنه حديث مارية. وروي «أنه قال لها : ويلك ألم أقل لك أكتمي علي ، قالت : والذي بعثك بالحق نبيا ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خص الله تعالى بها أباها» (١)(فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ) أي : بما فعلت على وجه لم يغادر من ذلك الذي عرفها به شيئا منه ، ولا من عوارضه لتزداد بصيرة.
روي أنها قالت لعائشة سرا فأنا أعلم أنها لا تظهره ، قاله الملوي ، وهو معنى قوله تعالى : (قالَتْ) أي : ظنا منها أن عائشة أفشت عليها (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) أي : من أخبرك أني أفشيت السر (قالَ نَبَّأَنِيَ) وحذف المتعلق اختصارا للفظ وتكسيرا للمعنى بالتعميم إشارة أنه أخبره بجميع ما دار بينها وبين عائشة على أتم ما كان. (الْعَلِيمُ) أي : المحيط العلم (الْخَبِيرُ) أي : المطلع على الضمائر والظواهر ، فهو أولى أن يحذر فلا يتكلم سرا أو جهرا إلا بما يرضيه.
__________________
(١) أخرجه الدارقطني في سننه ٤ / ١٥٣.