وتجب من جميع الذنوب ، وإن تاب من بعضها صحت توبته عما تاب منه ، وبقي عليه الذي لم يتب منه ، هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» (١) وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (٢) وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» (٣) وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (٤). وعن ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (٥).
وعن علي أنه سمع أعرابيا يقول : اللهمّ إني أستغفرك وأتوب إليك فقال : يا هذا إن سرعة الاستغفار بالتوبة توبة الكذابين ، قال : وما التوبة؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، وردّ المظالم واستحلال الخصوم ، وأن تعزم على أن لا تعود ، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما أذبتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي. وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. وقوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ) أي : المحسن إليكم (أَنْ يُكَفِّرَ ،) أي : يغطى تغطية عظيمة (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ،) أي : ما بدا منكم مما يسوء بالتوبة ، إطماع من الله لعباده في قبول التوبة وذلك تفضلا وتكرما لا وجوبا عليه ، وإن كان التائب على خطر فما ظنك بالمصر ولكن الفضل واسع.
ولما ذكر نفع التوبة في دفع المضار ذكر نفعها في جلب المسارّ بقوله تعالى : (وَيُدْخِلَكُمْ ،) أي : يوم الفصل (جَنَّاتٍ) أي : بساتين كثيرة الأشجار تستر داخلها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : تحت غرفها وأشجارها (الْأَنْهارُ) فهي لا تزال ريا ، وقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ) أي : الملك الأعظم (النَّبِيَ) أي : الذي نبأه الله تعالى بما يوجب له الرفعة التامّة من الأخبار التي هي في غاية العظمة ، منصوب بيدخلكم أو بإضمار اذكر ، ومعنى يخزي هنا يعذب ، أي : لا يعذبه ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون منسوقا على النبي ، أي : ولا يخزي الذين آمنوا معه. وعلى هذا يكون قوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) مستأنفا أو حالا ، الثاني : أن يكون مبتدأ وخبره (نُورُهُمْ يَسْعى) إلى آخره. وقوله تعالى : (يَقُولُونَ) خبر ثان أو حال.
تنبيه : التقييد بالإيمان لا ينفي أن لهم نورا عن شمائلهم بل لهم نور لكن لا يلتفتون إليه لأنهم إما من السابقين وإما من أهل اليمين فهم يمشون في هاتين الجهتين ويؤتون صحائف أعمالهم
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٠٢.
(٢) أخرجه البخاري في الدعوات باب ٣ ، ومسلم في الذكر حديث ٢٧٠٢ ، وأبو داود في الديات باب ٣ ، وابن ماجه في الأدب باب ٥٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢١١ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٤١٠ ، ٥ / ٤١١.
(٣) أخرجه البخاري في الدعوات حديث ٦٣٠٨ ، ومسلم في التوبة حديث ٢٦٧٥.
(٤) أخرجه مسلم في التوبة حديث ٢٧٥٩.
(٥) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٣٧.