أحسن ، وقيل : المراد من التفاوت الفطور لقوله تعالى بعد ذلك : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) ونظيره قوله تعال : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) [ق : ٦] قال القفال : ويحتمل أن يكون المعنى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت في الدلالة على حكم الصانع وأنه لم يخلقها عبثا.
تنبيه : دلت هذه الآية على كمال علم الله تعالى ، وذلك أن الحس دل على أن هذه السموات السبع أجسام مخلوقة على وجه الإحكام والإتقان وكل فاعل كان فعله محكما متقنا فلا بدّ وأن يكون عالما فدلت الآية على كونه تعالى عالما بالمعلومات فقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) إشارة إلى كونها محكمة متقنة.
وقرأ : (ما تَرى) و (هَلْ تَرى) أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة وورش بين بين والباقون بالفتح ، وأدغم لام هل في التاء أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي ، وقرأ من تفوت حمزة والكسائي بغير ألف بعد الفاء وتشديد الواو والباقون بألف بعد الفاء وتخفيف الواو.
وقوله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) مسبب عن قوله تعالى : (ما تَرى) وقوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) جملة يجوز أن تكون معلقة لفعل محذوف يدل عليه فارجع البصر ، أي : فارجع البصر فانظر هل ترى ، وأن يكون فارجع البصر مضمنا معنى انظر لأنه بمعناه فيكون هو المعلق.
والفطور جمع فطر وهو الشق يقال : فطره فانفطر ، ومنه فطر ناب البعير كما يقال : شق ومعناه شق اللحم وطلع ، قال المفسرون : الفطور : الصدوع والشقوق قال القائل (١) :
شققت القلب ثم دررت فيه |
|
هواك فليط فالتام الفطور |
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ) وقوله تعالى : (كَرَّتَيْنِ) نصب على المصدر كمرتين وهو مثنى لا يراد به حقيقته بل التكثير بدليل قوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً ،) أي : صاغرا ذليلا بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار (وَهُوَ حَسِيرٌ ،) أي : كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة ، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتين ولا ثلاث ، وإنما المعنى : كرات ، وهذا كقولهم : لبيك وسعديك وحنانيك ودواليك وهذاذيك ؛ لا يريدون بهذه التثنية تشفيع الواحد إنما يريدون التكثير ، أي : إجابة لك بعد إجابة وإلا لتناقض الغرض ، والتثنية تفيد التكثير لقرينة كما يفيده أصلها وهو العطف لقرينة كقوله (٢) :
لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمه
أي : قبور كثيرة ليتم المدح ، وقال ابن عطية : كرتين معناه مرتين ونصبهما على المصدر.
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لعبيد الله بن مسعود في لسان العرب (ذرأ) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧ ، ونوادر القالي ص ٢١٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٥٤ ، ولعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أو لقيس بن ذريح في تاج العروس (ذرأ) ، ولقيس بن ذريح في صلة ديوانه ص ٩٥ ، والأغاني ٩ / ١٨٣.
(٢) لفظ البيت بتمامه
لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم |
|
ميتا وأبعدهم عن منزل الذّام |
والبيت من البسيط ، وهو لعصام بن عبيد الزماني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٢٢ ، ولهمّام الرقاشي في البيان والتبيين ٢ / ٣١١ ، ٣ / ٣٠٢ ، ٤ / ٨٥ ، وله أو لعصام في خزانة الأدب ٧ / ٤٧٣ ، وبلا نسبة في المقرب ٢ / ٤١.