وقوله تعالى (وَالْهَدْيَ) معطوف على كم من صدوكم أي وصدوا الهدي وهو البدن التي ساقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت سبعين.
وقوله تعالى : (مَعْكُوفاً) أي : محبوسا حال وقوله تعالى : (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) أي : مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال (وَلَوْ لا رِجالٌ) أي : مقيمون بين أظهر الكفار بمكة (مُؤْمِنُونَ) أي : غريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلا للوصف بالرجولية (وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) أي : كذلك حبس الكل عن الهجرة العذر لأنّ الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة ، على أنّ ذلك شامل لمن جبله الله تعالى على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت كافرا (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) أي : لم يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين لأنهم ليس لهم قوّة التمييز منهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ثم أبدل من الرجال والنساء قوله تعالى : (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أي تؤذوهم بالقتل أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحو ذلك.
ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم «اللهمّ اشدد وطأتك على مضر» (١)(فَتُصِيبَكُمْ) أي : فيتسبب عن هذا الوطء أن تصيبكم (مِنْهُمْ) أي : من جهتهم وبسببهم (مَعَرَّةٌ) أي : مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث مفعلة من عرّه إذا عراه ما يكرهه وقوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق بأن تطؤوهم أي : غير عالمين بهم وجواب لو لا محذوف لدلالة الكلام عليه.
والمعنى ولو لا كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
فإن قيل : أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون ، أجيب : بأنهم يصيبهم وجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين إنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير.
وقوله تعالى : (لِيُدْخِلَ اللهُ) أي : الذي له جميع صفات الكمال متعلق بمقدّر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب ليدخل الله. قال البغوي : اللام في (لِيُدْخِلَ) متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام يعني ليدخل الله (فِي رَحْمَتِهِ) أي : في إكرامه وإنعامه (مَنْ يَشاءُ) بعد الصلح قبل أن يدخولها من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام ، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه. وقوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا) يجوز أن يعود على المؤمنين فقط أو على الكافرين أو على الفريقين والمعنى لو تميز هؤلاء من هؤلاء (لَعَذَّبْنَا) أي : بأيديكم بتسليطنا لكم عليهم بالقتل والسبي (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أوقعوا ستر الإيمان (مِنْهُمْ) أي : أهل مكة (عَذاباً أَلِيماً) أي شديد الإيجاع. قال قتادة : في الآية أنّ الله تعالى يدفع بالمؤمنين عن الكافرين كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة.
__________________
(١) أخرجه البخاري حديث ٨٠٤ ، ١٠٠٦ ، ٢٩٣٢ ، ٣٣٨٦ ، ٤٥٦ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٧٥ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٤٢ ، ١٤٤٨ ، والنسائي في التطبيق حديث ١٠٧٢ ، ١٠٧٤ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٢٤٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٩ ، ٢٥٥ ، ٢٧١ ، ٤٧٠ ، ٥٠٢ ، ٥٢١.