وجل من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة وجعل قرار قدم الملك على سنامه فلم تستقر قدماه ، فأخذ الله تعالى ياقوتة خضراء من أعلى درجة الفردوس غلظها خمسمائة عام ووضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا ، فإذا تنفس يمتد البحر وإذا ردّ نفسه جزر البحر ، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار ، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها ، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه : فتكن في صخرة ولم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله تعالى نونا وهو الحوت العظيم ووضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة ثقل الدنيا كلها بما عليها حرفان قال لها الجبار : كوني فكانت.
قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه فقال له : أتدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك ، فهمّ لويثا أن يفعل فبعث الله تعالى دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله تعالى منها ، فأذن الله تعالى لها فخرجت ، فو الذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن همّ بشيء من ذلك عادت إليه كما كانت.
وقال بعضهم : نون آخر حروف الرحمن وهي رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال الحسن وقتادة والضحاك : النون : الدواة ، وهو مروي أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال القرطبي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة» (١). ومنه قول الشاعر (٢) :
إذا ما الشوق برح بي إليهم |
|
ألقت النون بالدمع السجام |
ويكون على هذا أقسم بالدواة والقلم ، فإن المنفعة بهما عظيمة بسبب الكتابة ، فإن التفاهم يحصل تارة بالنطق وتارة بالكتابة ، وقيل : النون : لوح من نور تكتب فيه الملائكة ما يؤمرون به ، رواه معاوية بن قرة مرفوعا ، وقيل : النون : هو المداد الذي تكتب به الملائكة. وقال عطاء وأبو العالية : هو افتتاح اسمه تعالى نصير ونور وناصر.
وقال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصرة المؤمنين.
وقال الزمخشري : هذا الحرف من حروف المعجم ، وأما قولهم : هو الدواة فما أدري أهو وضع لغوي أم شرعي ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما ، فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين ، وإن كان علما فأين الإعراب وأيهما كان فلا بد له من موقع في تأليف الكلام. فإن قلت : هو مقسم به وجب إن كان جنسا أن تجره وتنونه ويكون القسم بدواة منكرة مجهولة كأنه قيل : ودواة (وَالْقَلَمِ) وإن كان علما أن تصرفه وتجره أو لا تصرفه وتفتحه للعملية والتأنيث.
__________________
(١) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٥ / ٤٤٨ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٧ / ٣١٨ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥٤ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ٤٥٣ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٦ / ٩٢.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.