بحسبك زيد ، وإلى هذا ذهب قتادة ، قال ابن عادل : إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في حسبك فقط.
الثاني : أن الباء بمعنى في فهي ظرفية كقولك : زيد بالبصرة ، أي : فيها ، والمعنى : في أي فرقة وطائفة منكم ، المفتون أي : المجنون أفي فرقة الإسلام ، أم في فرقة الكفر؟ وإليه ذهب مجاهد والفراء.
الثالث : أنه على حذف مضاف ، أي : بأيكم فتن المفتون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإليه ذهب الأخفش وتكون الباء سببية.
الرابع : أنّ المفتون مصدر جاء على مفعول كالمقتول والميسور ، والتقدير : بأيكم الفتنة ، وقيل : المفتون المعذب من قول العرب فتنت الذهب بالنار إذا أحميته قال تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣] ، أي : يعذبون ، وقيل : الشيطان لأنه مفتون في دينه وكانوا يقولون : إنه به شيطان وعنوا بالمجنون هذا ، فقال تعالى : سيعلمون غدا بأيهم الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل.
فائدة : (بِأَيِّكُمُ) رسمت ههنا بياءين.
(إِنَّ رَبَّكَ) أي : الذي رباك أحسن تربية وفضلك على سائر الخلائق (هُوَ) أي : وحده (أَعْلَمُ) أي : من كل أحد (بِمَنْ ضَلَ) أي : حاد (عَنْ سَبِيلِهِ) أي : دينه وسلك غير سبيل القصد وأخطأ موضع الرشد (وَهُوَ) أي : وحده (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي : الثابتين على الهدى ، وهم أولوا الأحلام والنهى ، أي : لذو علم بمعنى عالم.
تنبيه : قوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ وَهُوَ مَكْظُومٌ وَهُوَ مَذْمُومٌ) قرأه قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بضمها وقوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) أي : العريقين في التكذيب وهم مشركو مكة ، فإنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه أن يطيعهم ، ينتج التصميم على معاداتهم.
(وَدُّوا) أي : تمنوا وأحبوا محبة واسعة متجاوزة للحدّ قديما مع الاستمرار على ذلك (لَوْ) مصدرية (تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) قال الضحاك : لو تكفر فيكفرون. وقال الكلبي : لو تلين لهم فيلينون لك. وقال الحسن : لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم. وقال زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون. وقال ابن قتيبة : أرادوا أن يعبد آلهتهم مدّة ويعبدون الله مدة. وقال ابن العربي : ذكر المفسرون في ذلك نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة ، والمعنى وأمثلها : ودّوا لو تكذب فيكذبون ، ودّوا لو تكفر فيكفرون. وقال القرطبي : كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى.
تنبيه : في رفع فيدهنون وجهان : أحدهما : أنه عطف على تدهن فيكون داخلا في حيّز لو ، والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : فهم يدهنون. وقال الزمخشري : فإن قلت لم رفع فيدهنون ، ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمني ، قلت : قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهم يدهنون ، كقوله تعالى : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) [الجن : ١٣] على معنى : ودّوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ أو ودّوا ادهانك ، فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك.
واختلفوا في سبب نزول قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ ،) أي : كثير الحلف بالباطل ،