وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر أو الحرب قيل : كشف الأمر عن ساقه ، والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة ، وقال القرطبي : وأما ما روي أن الله تعالى يكشف عن ساقه ، فإنه تعالى متعال عن الأعضاء والأبعاض وأن ينكشف ويتغطى ، ومعناه : أن يكشف عن العظيم من أمره. وقيل : يكشف عن نوره عزوجل ، وروى أبو موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (عَنْ ساقٍ) قال : «يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا» (١) وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبو موسى قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره قال : أو تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون : نعم فيقال : فكيف تعرفونه ولم تروه؟ قالوا : إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيخرون له سجدا ، ويبقى أقوام ظهورهم كصياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ)(٢).
(وَيُدْعَوْنَ) أي : من داعي الملك الديان (إِلَى السُّجُودِ) توبيخا على تركه الآن وتنديما وتعنيفا لا تعبدا وتكليفا ، فيريدونه ليفدوا أنفسهم مما يرون من المخاوف (فَلا) أي : فتسبب عن ذلك أنهم لا (يَسْتَطِيعُونَ) لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم فيقول الله تعالى أي : للساجدين : عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار ، قال أبو بردة : فحدثت هذا الحديث عمر بن عبد العزيز ، فقال لي : والله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ، فحلف له ثلاثة أيمان فقال : ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا الحديث ، وأما غير الساجدين فعن ابن مسعود تعقم أصلابهم ، أي : ترد عظامها بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض ، وفي الحديث وتبقى أصلابهم طبقا واحدا ، أي : فقارة واحدة.
وقوله تعالى : (خاشِعَةً) حال من مرفوع يدعون وقوله تعالى : (أَبْصارُهُمْ) فاعل به ونسب الخشوع للأبصار ، لأنّ ما في القلب يعرف في العين وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أضوأ من الشمس ، ووجوه الكافرين والمنافقين سود مظلمة. (تَرْهَقُهُمْ) أي : تغشاهم (ذِلَّةٌ) أي : عظيمة لأنهم استعملوا الأعضاء التي أعطاهموها الله سبحانه ليتقرّبوا بها إليه في دار العمل في غير طاعته (وَقَدْ) أي : والحال أنهم قد (كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) أي : في الدنيا من كل داع يدعو إلينا ، وقال إبراهيم التيمي : أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقوله تعالى : (وَهُمْ سالِمُونَ) أي : معافون أصحاء ، حال من مرفوع يدعون الثانية. وقال سعيد بن جبير : كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجبيبون ، وقال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات.
ولما خوف الكفار بعظمة يوم القيامة زاد في التخويف بما عنده وفي قدرته فقال تعالى لنبيه
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٤٩ ، بلفظ : «يكشف عن قدر عظيم يخرون له سجدا».
(٢) انظر القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٤٩.