يفعل بالمقتول صبرا يؤخذ بيمينه ويضرب بالسيف في جيده مواجهة وهو أشد عليه ، وقال الحسن رضي الله عنه : لقطعنا يده اليمنى. وقال الزمخشري : المعنى : ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام ، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول ، وهو أن يؤخذ بيده فتضرب رقبته وخص اليمين عن اليسار ، لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذه بيساره ، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ا. ه. وقال نفطويه : المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف ، وقال السّدي ومقاتل رضي الله عنهما : المعنى انتقمنا منه بالحق واليمين على هذا بمعنى الحق كقوله تعالى : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات : ٢٨] ، أي : من قبل الحق.
(ثُمَّ لَقَطَعْنا) أي : بما لنا من العظمة قطعا يتلاشى عنده كل قطع (مِنْهُ الْوَتِينَ) أي : نياط القلب وهو يتصل من الرأس إذا انقطع مات صاحبه ، قال أبو زيد : وجمعه الوتن وثلاثة أوتنة والموتون الذي قطع وتينه. وقال الكلبي : هو عرق بين العلباء والحلقوم وهما علبا وان بينهما العرق والعلباء عصب العنق ، وقيل : عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر ، وقال مجاهد رضي الله عنه : هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع ، فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه.
وقال محمد بن كعب رضي الله عنه : إنه القلب ومراقه وما يليه ، وقال عكرمة رضي الله عنه : إن الوتين إذا قطع ، لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف ، وقيل : الوتين من مجمع الوركين إلى مجمع الصدر بين الترقوتين ، ثم تنقسم منه سائر العروق إلى سائر الجسد ، ولا يمكن في العادة الحياة بعد قطعه. وقال ابن قتيبة : لم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه ، فكان كمن قطع وتينه. ونظيره قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري» (١). والأبهر : عرق متصل بالقلب ، فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال : هذا أوان يقتلني السم وحينئذ صرت كمن انقطع أبهره (فَما مِنْكُمْ) أي : أيها الناس ، وأغرق في النفي فقال : (مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ) أي : القتل (حاجِزِينَ) أي : لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه ، أي : الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أي : لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه.
تنبيه : (مِنْ أَحَدٍ) اسم ما ومن زائدة لتأكيد النفي ، ومنكم حال من أحد وعنه حاجزين خبر ما وجمع لأن أحدا في سياق النفي بمعنى الجمع وضمير عنه للقتل أو النبي كما مرّ (وَإِنَّهُ) أي : القرآن (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي : لأنهم المنتفعون به لإقبالهم عليه إقبال مستفيد (وَإِنَّا) أي : بما لنا من العظمة (لَنَعْلَمُ) أي : علما عظيما محيطا (أَنَّ مِنْكُمْ) أي : أيها الناس (مُكَذِّبِينَ) بالقرآن ومصدقين ، فأنزلنا الكتب وأرسلنا الرسل لنظهر منكم إلى عالم الشهادة ما كنا نعلم في الأزل غيبا من تكذيب وتصديق فتستحقون بذلك الثواب والعقاب ، فلذلك وجب في الحكمة أن نعيد الخلق إلى ما كانوا عليه من أجسامهم قبل الموت لنحكم بينهم فنجازي كلا بما يليق به إظهارا للعدل.
(وَإِنَّهُ) أي : القرآن (لَحَسْرَةٌ) أي : ندامة (عَلَى الْكافِرِينَ) أي : إذا رأوا ثواب المصدقين وعقاب المكذبين به (وَإِنَّهُ) أي : القرآن أو الجزاء يوم الجزاء (لَحَقُّ الْيَقِينِ) أي : الأمر الثابت
__________________
(١) أخرجه البخاري في المغازي باب ٨٣ ، وأبو داود في الديات حديث ٤٥١٢ ، والدارمي في المقدمة باب ١١ ، وأحمد في المسند ٦ / ١٨.