إسحاق : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة. وقال عكرمة وقتادة رضي الله عنهما : هو يوم القيامة وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، ليس يعني به أن مقدار طوله هكذا دون غيره ؛ لأن يوم القيامة ليس له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود ، ولو كان له آخر لكان منقطعا.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : «قيل : لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» (١).
وقيل : معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله تعالى لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة قال عطاء رضي الله عنه : ويفرغ الله تعالى في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا ، وقيل : فيه خمسون موطنا على الكافر ، كل موطن ألف سنة وما ورد ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.
وروي عن الكلبي أنه قال : يقول الله تعالى : لو وليت حساب ذلك الملائكة والإنس والجن وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة وأنا أفرغ منه في ساعة من النهار. وقال بيان : هو يوم القيامة فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة ، وفيه تقديم وتأخير كأنه قال : ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه.
فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في سورة السجدة : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) [السجدة : ٥]؟ أجيب : بأنه يحتمل أن من أسفل العالم إلى أعلى العرش خمسين ألف سنة ، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة لأن عرض كل سماء خمسمائة وما بين أسفل إلى قرار الأرض خمسمائة ، فقوله في يوم من أيام الدنيا وهو مقدار ألف سنة لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا ، ومقدار خمسين ألف سنة لو صعدوا إلى أعلى العرش.
وقوله تعالى : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) متعلق كما قال الرازي : بسأل سائل ، لأن استعجالهم بالعذاب كان على وجه الاستهزاء برسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر بالصبر ، والمعنى : جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر على أذى قومك ، والصبر الجميل : هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله تعالى. وقيل : أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري من هو ، وقال ابن زيد والكلبي رضي الله عنهم : هذه الآية منسوخة بالأمر بالقتال.
(إِنَّهُمْ) أي : الكفار (يَرَوْنَهُ) أي : ذلك اليوم الطويل أو عذابه (بَعِيداً) أي : زمن وقوعه لأنهم يرونه غير ممكن ، أو يفعلون أفعال من يستبعده (وَنَراهُ) أي : لما لنا من العظمة التي قضت بوجوده وهو علينا هين (قَرِيباً) سواء أريد بذلك قرب الزمان أو قرب المكان فهو هين على قدرتنا وهو آت لا محالة ، وكل آت قريب ، والقريب والبعيد عندنا على حد سواء ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش بين بين ، والباقون بالفتح.
وقوله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ) متعلق بمحذوف ، أي : يقع فيه من الأهوال (كَالْمُهْلِ)
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٥ / ١٥١.