أي : كدردي الزيت ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كالفضة البيضاء في تلونها (وَتَكُونُ الْجِبالُ) أي : التي هي أشد الأرض وأثقل ما فيها (كَالْعِهْنِ) أي : كالصوف في الخفة والطيران بالريح. وقيل : أول ما تتفرق الجبال تصير رملا ثم عهنا منفوشا ثم هباء منثورا منبثا.
(وَلا يَسْئَلُ) أي : من شدة الأهوال (حَمِيمٌ حَمِيماً) أي : قريب في غاية القرب والصداقة قريبا مثله عن شيء من الأشياء لفرط الشواغل ولأنه قد كشفت لهم أنه لا تغني نفس عن نفس شيئا وأنه قد تقطعت الأسباب وتلاشت الأنساب وعلم أنه لا عز إلا بالتقوى.
(يُبَصَّرُونَهُمْ) أي : يبصرهم بهم مبصر فلا يخفى أحد على أحد وإن بعد مكانه (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) أي : يتمنى الكافر أو هذا النوع سواء كان كافرا أم مسلما عاصيا علم أنه يعذب بعصيانه (لَوْ) بمعنى أن (يَفْتَدِي) أي : يفدي نفسه (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) أي : يوم إذ كانت هذه المخاوف. وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم والباقون بكسرها ، (بِبَنِيهِ) أي : بأقرب الناس إليه وأعلقهم بقلبه لشدة ما يرى.
ولما ذكر ألصق الناس بالفؤاد وأعز من يلزمه نصره والذب عنه أتبعه ما يليه في الرتبة والمودة بقوله تعالى : (وَصاحِبَتِهِ) أي : زوجه التي يلزمه الذب عنها لا سيما عند العرب من أقبح العار ولكونه دائما معها. ولما ذكر الصاحبة لما لها من تمام الوصلة أتبعها الشقيق الذي هو عليه شفيق بقوله تعالى : (وَأَخِيهِ) أي : الذي له به النصرة على من يريد ، قال الشاعر (١) :
أخاك أخاك إن من لا أخا له |
|
كنازل الهيجاء بغير سلاح |
ولما كان من بقي من الأقارب بعد ذلك متقاربين في الرتبة ذكر أقربهم بقوله تعالى : (وَفَصِيلَتِهِ) أي : عشيرته الذين هم أقرب من فصل عنه ، وقال ثعلب : الفصيلة الآباء الأدنون ، وقال أبو عبيدة رضي الله عنه : الفخذ ، وقال مجاهد وابن زيد رضي الله عنهم : عشيرته الأقربون ، (الَّتِي تُؤْوِيهِ) أي : تضمه إليها عند الشدائد وتحميه لأنه أقرب الناس إليها وأعزهم عليها.
ولما خصص عمم بقوله تعالى : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي : من الثقلين وغيرهم سواء كان فيهم صديق لا صبر عنه ولا بدّ في كل حال منه أم لا ، ثم أكد ذلك بقوله تعالى : (جَمِيعاً) وقوله تعالى : (ثُمَّ يُنْجِيهِ) أي : ذلك الافتداء عطف على يفتدى ، وقوله تعالى : (كَلَّا) ردّ وردع وزجر لما يودّه ، وقال القرطبي : وإنها تكون بمعنى حقا وبمعنى لا وهي هنا تحتمل الأمرين فإذا كانت بمعنى حقا كان تمام الكلام ينجيه ، وإذا كانت بمعنى لا كان تمام الكلام عليها إذ ليس من عذاب الله افتداء.
ولما كان الإضمار قبل الذكر لتعظيم ذلك المضمر أشار إلى أنه مستحضر في الذهن لا يغيب قال تعالى : (إِنَّها) أي : النار وإن لم يجر لها ذكر لدلالة لفظ عذاب عليها ، وقيل : الضمير للقصة. وقيل : مبهم يفسره قوله تعالى : (لَظى) أي : ذات اللهب الخالص المتناهي في الحرّ اسم
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٩ ، والأغاني ٢٠ / ١٧١ ، ١٧٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٥ ، ٦٧ ، والدرر ٣ / ١١ ، ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص ٢٦٩ ، ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص ٢٤٥ ، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمي في الحماسة البصرية ٢ / ٦٠ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٥٦.