لجهنم تتلظى ، أي : تتوقد فتأكل بسببه بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله وتأكل كل ما وجدته كائنا ما كان ، وقوله تعالى : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) جمع شواة وهي جلدة الرأس ، أي : شديدة النزع لجلود الرؤوس. وقال في «القاموس» : اليدان والرجلان والأطراف ومخ الرأس وما كان غير مقتل ا. ه. وقرأ حفص بالنصب على الاختصاص والحال المؤكدة والمستقلة على أن لظى متلظية ، والباقون بالرفع على أنها خبر إن.
(تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) عن الإيمان ، تقول : إليّ يا مشرك ، إليّ يا فاسق ونحو هذا ، ثم تلتقطهم التقاط الطير للحب.
ولما كانت الدنيا والآخرة ضرتين ، فكان الإقبال على أحدهما دالا على الإعراض عن الأخرى قال تعالى دالا على إدباره بقلبه : (وَجَمَعَ) أي : كل ما كان منسوبا إلى الدنيا (فَأَوْعى) أي : جعل ما جمعه في وعاء وكنزه حرصا وطول أمل ولم يعط حق الله تعالى منه فكان همه الإعطاء لا إبطاء ما وجب من الحق إقبالا على الدنيا وإعراضا عن الآخرة ، وقرأ : (لَظى) و (لِلشَّوى) و (تَوَلَّى فَأَوْعى) حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش وأبو عمرو بين بين ، والفتح عن ورش قليل والباقون بالفتح.
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))
(إِنَّ الْإِنْسانَ) أي : الجنس عبر به لما له من الأنس بنفسه والرؤية لمحاسنها والنسيان لربه ولدينه (خُلِقَ هَلُوعاً) أي : جبل جبلة هو فيها بليغ الهلع وهو أفحش الجزع مع شدة الحرص وقلة الصبر والشح على المال والسرعة فيما لا ينبغي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إنه الحريص على ما لا يحل له.
وروي عنه أن تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى : (إِذا مَسَّهُ) أي : أدنى مس (الشَّرُّ) أي : هذا الجنس ، وهو ما تطاير شرره من الضرر (جَزُوعاً) أي : عظيم الجزع وهو ضد الصبر بحيث يكاد صاحبه ينقدّ نصفين ويتفتت (وَإِذا مَسَّهُ) كذلك (الْخَيْرُ) هذا الجنس وهو ما يلائمه فيجمعه من السعة في المال وغيره من أنواع الرزق (مَنُوعاً) أي : مبالغا في الإمساك عما يلزمه من الحقوق للانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليه وقوفا مع المحسوس لغلبة الجمود والبلادة ، وهذا الوصف ضد الإيمان لأنه نصفان شكر وصبر.
فإن قيل : حاصل هذا الكلام أنه نفور عن المضارّ طالب للراحة ، وهذا هو اللائق بالعقل فلم