(١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))
(وَأَنَّا مِنَّا) أي : الجن (الْمُسْلِمُونَ) أي : المخلصون في صفة الإسلام (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي : الجائرون أي : وإنا بعد سماع القرآن مختلفون فمنا من أسلم ومنا من كفر ، والقاسط الجائر لأنه عدل عن الحق ، والمقسط العادل إلى الحق ، قسط إذا جار ، وأقسط إذا عدل فقسط الثلاثي بمعنى جار ، وأقسط الرباعي بمعنى عدل.
وعن سعيد بن جبير : أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله : ما تقول فيّ؟ قال : قاسط عادل. فقال القوم : ما أحسن ما قال ، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل. فقال الحجاج : يا جهلة إنما سماني ظالما مشركا وتلا لهم قوله تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً. ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١].
(فَمَنْ أَسْلَمَ) أي : أوقع الإسلام كله بأن أسلم ظاهره وباطنه من الجن وغيرهم (فَأُولئِكَ) أي : العالو الرتبة (تَحَرَّوْا) أي : توخوا وقصدوا مجتهدين (رَشَداً) أي : صوابا عظيما وسدادا كان لما عندهم من النقائص شاردا عنهم ، فعالجوا أنفسهم حتى ملكوه فجعلوه لهم منزلا.
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) أي : العريقون في صفة الجور عن الصواب من الإنس والجن ، فأولئك أهملوا أنفسهم فلم يتحرّوا لها فضلوا فأبعدوا عن الطريق القويم فوقعوا في المهالك التي لا منجى منها. (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ) أي : النار البعيدة القعر التي تلقاهم بالتجهم والكراهة والعبوسة (حَطَباً) أي : توقد بهم النار فهي في اتقاد ما داموا أحياء ، ما دامت تتقدّ لا يموتون فيستريحون ولا يحيون فينتعشون.
تنبيه : قوله تعالى : (فَكانُوا ،) أي : في علم الله عزوجل. فإن قيل : لم ذكروا عقاب القاسطين ولم يذكروا ثواب المسلمين؟ أجيب : بأنهم في مقام الترهيب فذكروا ما يحذر وطووا ما يحب للعلم به لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا بل لا بد أن يزيد عليه تسعة أضعافه وعنده المزيد أو أنهم ذكروه بقولهم (تَحَرَّوْا رَشَداً) أي : تحرّوا رشدا عظيما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب.
فإن قيل : إنّ الجنّ مخلوقون من النار فكيف يكونون حطبا للنار؟ أجيب : بأنهم وإن خلقوا منها لكنهم يغيرون عن تلك الكيفية فيصيرون لحما ودما هكذا قيل وهذا آخر كلام الجن.
وأن في قوله تعالى : (وَأَنْ) هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي : وأنهم وهو معطوف على أنه استمع أي وأوحي إلي أنّ الشأن العظيم. (لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي : طريقة الإسلام (لَأَسْقَيْناهُمْ) أي : لجعلنا لهم بما لنا من العظمة (ماءً غَدَقاً) أي : لو آمن هؤلاء الكفار لوسّعنا عليهم في الدنيا ولبسطنا لهم في الرزق. وضرب الماء الغدق مثلا ، لأنّ الخير والرزق كله