من المشركين قول سوء فيه فاشتدّ عليه فتزمل وتدثر ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) و (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [المدثر : ١].
وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحي إليه «فإنه صلىاللهعليهوسلم لما جاءه الوحي في غار حراء رجع إلى خديجة رضي الله عنها زوجته يرجف فؤاده ، فقال : زملوني زملوني لقد خشيت على نفسي» (١) أي : أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة ، وكل ذلك من الشيطان أو أن يكون الذي ظهر له بالوحي ليس الملك ، وكان صلىاللهعليهوسلم يبغض الشعر والكهانة غاية البغضة ، فقالت له ، وكانت وزيرة صدق رضي الله تعالى عنها : كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (٢). ونحو هذا من الكمال الذي يثبت.
وقيل : إنه صلىاللهعليهوسلم كان نائما في الليل متزملا في قطيفة ، فنبه ونودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته ، فقيل له (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (قُمِ اللَّيْلَ) أي : الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر ، فصل لنا في كل ليلة من هذا الجنس ، وقف بين يدينا بالمناجاة والأنس بما أنزل عليك من كلامنا ، فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البرّ والبحر والسرّ والجهر ، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده وهي جامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة وهي عمادها فذكرها دال على ما عداها.
ولما كان للبدن حظ في الراحة قال تعالى مستثنيا من الليل (إِلَّا قَلِيلاً) أي : من كل ليلة ، فإن الاشتغال بالنوم فعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن ألا ترى إلى قول ذي الرمة (٣) :
وكائن تخطت ناقتي من مفازة |
|
ومن نائم عن نيلها متزمل |
يريد الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب ولا يحمّل نفسه المشاق والمتاعب ونحوه (٤) :
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
__________________
(١) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، انظر البخاري في بدء الوحي حديث ٣ ، ٤ ، والتعبير باب ١ ، وتفسير سورة ٩٦ باب ١ ، ٣ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٥٢ ، ٢٥٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ٣٢٥ ، ٣٧٧ ، ٦ / ٢٢٣ ، ٢٣٣.
(٢) انظر الحاشية السابقة.
(٣) يروى عجز البيت بلفظ :
إليك ومن أحواش ماء مسدّم
والبيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١١٧٥ ، ولسان العرب (صيص) ، (سدم) ، وتاج العروس (صيص) ، (سدم) ، وفي رواية أخرى للعجز :
وكم زلّ عنها من جحاف المقادر
والبيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٦٨٤ ، ولسان العرب (جحف) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٧ ، ١٠ ، وكتاب الجيم ١ / ١٢٦.
(٤) صدره :
فأتت به حوش الفؤاد مبطّنا
والبيت من الكامل ، وهو لأبي كبير الهذلي في جمهرة اللغة ص ٣٦٠ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٧٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٨ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٧٥.