الثاني : قول ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان قيام الليل فريضة على النبيّ صلىاللهعليهوسلم والأنبياء قبله. والثالث : قول عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أيضا أنه كان فرضا عليه وعلى أمته لما روى مسلم أنّ هشام بن عامر قال لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : «ألست تقرأ يا أيها المزمل ، فقلت : بلى. فقالت : فإنّ الله عزوجل افترض قيام الليل في أوّل هذه السورة ، فقام نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حولا وأمسك الله عزوجل خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله عزوجل في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوّعا بعد فريضة» (١) وقيل : عسر عليهم تمييز القدر الواجب ، فقاموا الليل كله ، وشق عليهم فنسخ بقوله تعالى آخرها : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وكان بين الوجوب ونسخه سنة ، وقيل : نسخ التقدير بمكة وبقي التهجد حتى نسخ بالمدينة.
وروى وكيع ويعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين نزول أوّلها وآخرها نحوا من سنة. وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : مكث النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل ، فنزلت بعد عشر سنين (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [المزمل : ٢٠] فخفف الله تعالى عنهم. وقيل : كان قيام الليل واجبا ثم نسخ بالصلوات الخمس.
والصحيح أنه صلىاللهعليهوسلم بعث يوم الاثنين في رمضان وهو ابن أربعين سنة ، وقيل : ثلاث وأربعين وآمنت به خديجة رضي الله عنها ثم بعدها قيل : عليّ رضي الله عنه وهو ابن تسع سنين ، وقيل : ابن عشر. وقيل : أبو بكر ، وقيل : زيد بن حارثة ، ثم أمر بتبليغ قومه بعد ثلاث من مبعثه ، فأوّل ما فرض عليه صلىاللهعليهوسلم بعد الإنذار والدعاء إلى التوحيد من قيام الليل ما ذكر في أوّل السورة ، ثم نسخ بما في آخرها ثم نسخ بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء إلى بيت المقدس بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب ، هذا ما ذكره النووي في روضته.
وقال في فتاويه : بعد النبوة بخمس أو ست وجعل الليلة من ربيع الأول وخالفهما في شرح مسلم وجزم بأنها من ربيع الآخر وقلد فيها القاضي عياضا ، والذي عليه الأكثر ما في الروضة واستمرّ يصلي إلى بيت المقدس مدّة إقامته بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، ثم أمر باستقبال الكعبة ، ثم فرض الصوم بعد الهجرة بسنتين تقريبا وفرضت الزكاة بعد الصوم ، وقيل : قبله ، وفي السنة الثانية قيل : في نصف شعبان. وقيل : في رجب حوّلت القبلة ، وفيها فرضت صدقة الفطر ، وفيها ابتدأ صلىاللهعليهوسلم صلاة عيد الفطر ثم عيد الأضحى ، ثم فرض الحج سنة ست وقيل : سنة خمس ولم يحج صلىاللهعليهوسلم بعد الهجرة إلا حجة الوداع ، واعتمر أربعا وتوفيّ صلىاللهعليهوسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من الهجرة.
فائدة : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معصومون قبل النبوة من الكفر وفي المعاصي خلاف وبعدها من الكبائر وكذا من الصغائر ولو سهوا عند المحققين.
وقوله تعالى (نِصْفَهُ) بدل من قليلا وقلته بالنظر إلى الكل (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ) أي : من النصف (قَلِيلاً) أي : الثلث (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي : على النصف إلى الثلثين ، وأو للتخيير فكان صلىاللهعليهوسلم مخيرا بين
__________________
(١) أخرجه مسلم في قيام الليل حديث ٧٤٦.