وتخشع. وكرهت بفم نجس. وجازت بحمام. وهي نظرا في المصحف أفضل منها على ظهر قلب ، نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه. وهي أفضل من ذكر لم يخص بمحل ، وحرم توسد مصحف. وندب كتبه وإيضاحه ونقطه وشكله ، ويحرم كتبه بنجس ومسه بنجس غير معفوّ عنه ، وتحرم القراءة بالشواذ وهي ما نقل آحادا وبعكس الآي وكره العكس في السور إلا في تعليم.
وندب ختم القرآن أوّل نهار وأوّل ليل وختمه في الصلاة أفضل من ختمه خارجها ، وندب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه ، وندب الدعاء بعده وحضوره. والشروع بعده في ختمة أخرى. وندب كثرة تلاوته. ونسيانه كبيرة وكذا نسيان شيء منه ويحرم تفسيره بلا علم.
(إِنَّا) أي : بما لنا من العظمة (سَنُلْقِي) أي : بوعد لا خلف فيه (عَلَيْكَ قَوْلاً) أي : قرآنا ، واختلف في معنى قوله تعالى (ثَقِيلاً) فقال قتادة رضي الله عنه : ثقيل والله فرائضه وحدوده. وقال مجاهد رضي الله عنه : حلاله وحرامه. وقال محمد بن كعب رضي الله عنه : ثقيلا على المنافقين لأنه يهتك أسرارهم ويبطل أديانهم. وقيل : على الكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم وسب آلهتهم.
قال السدّي رضي الله عنه : ثقيلا بمعنى كريم مأخوذ من قولهم : فلان ثقل عليّ ، أي : كرم عليّ. وقال الفراء : ثقيلا ، أي رزينا. وقال الحسن بن الفضل : ثقيلا أي لا يحمله إلّا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد. وقال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا ثقل في الميزان يوم القيامة. وقيل : ثقيل أي : ثابت كثبوت الثقيل في محله. ومعناه : إنه ثابت الإعجاز لا يزول إعجازه أبدا.
وقيل : (ثَقِيلاً) بمعنى : أن العقل الواحد لا يفي بإدراك فوائده ومعانيه بالكلية فالمتكلمون غاصوا في بحار معقولاته ، والفقهاء بحثوا في أحكامه ، وكذا أهل اللغة والنحو وأرباب المعاني ، ثم لا يزال كل متأخر يفوز منه بفوائد ما وصل إليها المتقدّمون ، فعلمنا أنّ الإنسان الواحد لا يقوى على الاستقلال بحمله ، فصار كالجبل الثقيل الذي يعجز الخلق عن حمله.
والأولى أن تحمل هذه المعاني كلها فيه. وقيل : المراد هو الوحي كما جاء في الخبر «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها أي : صدرها على الأرض فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرّى عنه» (١). وعن الحرث بن هشام أنه سأل النبيّ صلىاللهعليهوسلم كيف يأتيك الوحي؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهذا أشدّ عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصد عرقا (٢) ، أي : يجري عرقه كما يجري الدم من الفاصد. وقوله فينفصم عني أي : ينفصل عني ويفارقني ، وقد وعيت أي :
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٣٨ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥٤٩.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الوحي حديث ٢ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٢٣ ، والترمذي في المناقب حديث ٣٦٣٤ ، والنسائي في الافتتاح حديث ٩٣٤.