على الانفكاك عنه (لِآياتِنا) على ما لها من العظمة خاصة لكونها هادية إلى الوحدانية لا إلى غيرها من الشبه القائدة إلى الشرك (عَنِيداً) قال قتادة : أي : جاحدا. وقال مقاتل : معرضا. وقال مجاهد : إنه المجانب للحق. وجمع العنيد عند ، مثل رغيف ورغف والعنيد بمعنى المعاند ، والعناد كما قال الملوي من كبر في النفس ويبس في الطبع وشراسة في الأخلاق أو خبل في العقل ، وقد جمع ذلك كله إبليس لعنه الله تعالى لأنه خلق من نار وهي من طبعها اليبوسة وعدم الطواعية.
تنبيه : في الآية إشارة إلى أنّ الوليد كان معاندا في أمور كثيرة منها أنه كان يعاند في دلائل التوحيد وصحة النبوّة وصحة البعث ، ومنها أنّ كفره كان عنادا لأنه كان يعرف هذه الأشياء بقلبه وينكرها بلسانه. وكفر العناد أفحش أنواع الكفر ، ومنها أنّ قوله تعالى كان يدل على أنّ هذه حرفته من قديم الزمان.
(سَأُرْهِقُهُ) أي : أكلفه (صَعُوداً) أي : مشقة من العذاب لا راحة له فيها. وروى الترمذي عن أبي سعيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي» (١) وفي رواية أنه «كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت فإذا رفعها عادت وكذا رجله» (٢) وقال الكلبي : إنه صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها يجذب من أمامه بسلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها فذلك دأبه أبدا.
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))
(إِنَّهُ) أي : هذا العنيد (فَكَّرَ) أي : ردّد فكره وأداره تابعا لهواه لأجل الوقوع على شيء يطعن به في القرآن أو النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَقَدَّرَ) أي : أوقع تقدير الأمور التي يطعن بها وقاسها في نفسه لعلمه أنها أقرب إلى القبول وذلك أنّ الله تعالى لما أنزل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إلى قوله تعالى : (الْمَصِيرُ) [غافر : ٢ ـ ٣] قام النبيّ صلىاللهعليهوسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته ، فلما فطن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش : صبأ والله الوليد ، والله لتصبأنّ قريش كلهم. فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا ، فقال له الوليد : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ قال : وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على
__________________
(١) أخرجه الترمذي في جهنم حديث ٢٥٧٦.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ٥٥٦٩.