اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه ، فليس لأحد أن يقول : أنا مغرور لم أجد مذكرا ولا معرّفا فإنّ عنده أعظم مذكر وأشرف معرّف.
(فَمَنْ شاءَ) أي : أن يذكره (ذَكَرَهُ) أي : اتعظ به وجعله نصب عينيه وعلم معناه وتخلق به فمن فعل ذلك سهل عليه لفظه وبعض معانيه فإنه كالبحر الفرات فمن شاء اغترف.
(وَما يَذْكُرُونَ) أي : في وقت من الأوقات (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ذكرهم أو مشيئتهم كقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وهو تصريح بأنّ فعل العبد بمشيئة الله تعالى. وقرأ نافع بتاء الخطاب وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب والباقون بياء الغيبة حملا على ما تقدم من قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ.)
(هُوَ) أي : الله سبحانه وتعالى وحده (أَهْلُ التَّقْوى) أي : أن يتقيه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي : وحقيق أن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب ؛ لأنّ له الجمال واللطف وهو القادر ولا قدرة لغيره فلا ينفعه شيء ولا يضرّه روى الترمذي وأحمد والحاكم عن أنس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في هذه الآية : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) يقول الله تعالى : «أنا أهل أن أتقى فمن اتقى أن يشرك بي غيري فأنا أهل أن أغفر له» (١) ووقف الكسائي على (أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) بالإمالة على أصله وورش بترقيق الراء وقفا ووصلا على أصله.
وقول البيضاوي تبعا للزمخشري إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة المدثر أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وكذب به» (٢) حديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٢٨ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٩٩ ، والدارمي في الرقاق حديث ٢٧٢٤.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٦٥٨.