شر مصرع وقتله أسوأ قتلة ، قال : وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لكل أمة فرعون ، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل» (١).
(أَيَحْسَبُ) أي : يجوّز لقلة عقله (الْإِنْسانُ) أي : الذي هو عبد مربوب ضعيف عاجز محتاج بما يرى من نفسه وأبناء جنسه (أَنْ يُتْرَكَ) أي : يكون تركه بالكلية (سُدىً) أي : هملا لاغيا لا يكلف ولا يجازى ولا يعرض على الملك الأعظم الذي خلقه فيسأله عن شكره فيما أسدى إليه ، فإنّ ذلك مناف للحكمة فإنها تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن المساوئ والجزاء على كل منهما ، وأكثر الظالمين والمظلومين يموتون من غير جزاء فاقتضت الحكمة أنه لا بدّ من البعث للجزاء.
(أَلَمْ يَكُ) أي : الإنسان (نُطْفَةً) أي : شيئا يسيرا (مِنْ مَنِيٍ) أي : ماء من صلب الرجل وترائب المرأة (يُمْنى) أي : تصب في الرحم سبب الله تعالى للإنسان المعالجة في إخراجها بما ركب فيه من الشهوة ، وجعل له من الزوج التي يسرها لقضاء وطره حتى أنّ وقت صبها في الرحم تصب منه بغير اختياره حتى كأنه لا فعل له فيها أصلا.
فإن قيل : ما فائدة (يُمْنى) بعد قوله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ؟) أجيب : بأن فيه إشارة إلى حقارة حاله كأنه قيل : إنه مخلوق من المني الذي يجري على مجرى النجاسة فلا يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله تعالى إلا أنه عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى عليهالسلام وأمه مريم (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة : ٧٥] والمراد منه قضاء الحاجة.
(ثُمَّ كانَ) أي : كونا محكما (عَلَقَةً) أي : دما أحمر غليظا شديد الحمرة والغلظ (فَخَلَقَ) أي : قدر سبحانه عقب ذلك لحمه وعظامه وعصبه وغير ذلك من جواهره وأعراضه (فَسَوَّى) أي : عدّل من ذلك خلقا آخر غاية التعديل شخصا مستقلا.
(فَجَعَلَ) أي : بسبب النطفة (مِنْهُ) أي : من المنيّ الذي صار علقة ، أي : قطعة دم ثم مضغة أي : قطعة لحم (الزَّوْجَيْنِ) أي : النوعين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) يجتمعان تارة وينفرد كل منهما عن الآخر تارة. قال القرطبيّ : وقد احتج بهذه الآية من رأى إسقاط الخنثى ، وأجيب بأن هذه الآية وقرينتها خرجت مخرج الغالب أو أنه في نفس الأمر ذكر أو أنثى.
(أَلَيْسَ ذلِكَ) أي : الخالق المسوي الإله الأعظم الذي قدر على تمييز ما يصلح من ذلك للذكر وما يصلح منه للأنثى (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي : أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البلى. «روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأها قال : سبحانك اللهم بلى» (٢) رواه أبو داود والحاكم ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : من قرأ سبح اسم ربك الأعلى إماما كان أو غيره فليقل سبحان ربي الأعلى ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة إلى آخرها فليقل سبحانك اللهم بلى إماما كان أو غيره. وروى البغوي بسنده من طريق أبي داود عن أعرابيّ عن أبي هريرة قال : «قال
__________________
(١) أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات ١٠٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ٨٨٤ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥١١.