من الفاعل والضمير في حبه لله أي : على حب الله وعلى التقديرين فهو مصدر مضاف للمفعول. وقال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطعام.
(مِسْكِيناً) أي : محتاجا احتياجا يسيرا فصاحب الاحتياج الكثير أولى (وَيَتِيماً) أي : صغيرا لا أب له (وَأَسِيراً) أي : في أيدي الكفار. وخص هؤلاء بالذكر لأنّ المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه عما يكفيه ، واليتيم مات من يكتسب له وبقي عاجزا عن الكسب لصغره ، والأسير لا يتمكن لنفسه نصرا ولا حيلة.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير رضي الله عنهم : الأسير المحبوس فيدخل في ذلك المملوك والمسجون والكافر الذي في أيدي المسلمين ، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز ، وكان الخبز إذ ذاك عزيزا حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام ، وذلك لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما دفعهم إليهم قال : «استوصوا بهم خيرا» (١). وقيل : الأسير المملوك ، وقيل : المرأة لقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا الله في النساء فإنهنّ عندكم عوان» (٢) أي : أسرى.
وقوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) على إضمار القول أي : يقولون بلسان المقال أو الحال : إنما نطعمكم أيها المحتاجون (لِوَجْهِ اللهِ) أي : لذات الملك الذي استجمع الجلال والإكرام لكونه أمرنا بذلك ، وعبر بالوجه لأنّ الوجه يستحي منه ويرجى ويخشى عند رؤيته (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ) لأجل ذلك (جَزاءً) أي : لنا من أعراض الدنيا (وَلا شُكُوراً) أي : لشيء من قول ولا فعل ، روي أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا ، فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله تعالى.
ثم عللوا قولهم هذا على وجه التأكيد بقولهم (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) أي : الخالق لنا المحسن إلينا (يَوْماً) أي : أهوال يوم هو في غاية العظمة وبينوا عظمته بقولهم (عَبُوساً) قال ابن عباس رضي الله عنهما : ووصف اليوم بالعبوس مجاز على طريقين أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء كقولك : نهارك صائم روي أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران ، وأن يشبه في شدّته وضرره بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل.
(قَمْطَرِيراً) قال ابن عباس رضي الله عنهما : طويلا. وقال مجاهد وقتادة رضي الله عنهم : القمطرير الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبس. وقال الكلبي : العبوس الذي لا انبساط فيه والقمطرير الشديد وقال الأخفش : القمطرير أشدّ ما يكون من الأيام وأطوله في البلاد يقال يوم قمطرير وقماطير إذا كان شديدا كريها.
ولما كان فعلهم هذا خالصا لله تعالى سبب عنه جزاءهم فقال تعالى : (فَوَقاهُمُ اللهُ) أي : الملك الأعظم بسبب خوفهم (شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي : العظيم ولا بدّ لهم من نعيم ظاهر وباطن
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : «استوصوا بالأسارى خيرا» أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ١ / ١٤٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ٨٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١١٠٣٦.
(٢) أخرجه الترمذي في الرضاع حديث ١١٦٣ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٨٥١ ، وأحمد في المسند ٥ / ٧٣.