الياء وضم الهاء ؛ لأنّ الياء لما سكنت كسرت الهاء ولما تحرّكت ضمت الهاء ، فأما قراءة نافع وحمزة ففيها أوجه : أظهرها : أن يكون خبرا مقدّما ، وثياب مبتدأ مؤخر.
وأمّا قراءة الباقين ففيها أيضا أوجه : أظهرها : أن يكون خبرا مقدّما وثياب مبتدأ مؤخرا. كأنه قال : فوقهم ثياب. قال أبو البقاء : لأنّ عاليهم بمعنى فوقهم ، والضمير المتصل به للمطوف عليهم أو للخادم والمخدوم جميعا وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب. وقرأ نافع وحفص خضر وإستبرق برفعهما ، وقرأ حمزة والكسائي بخفضهما. وقرأ أبو عمرو وابن عامر برفع خضر وجرّ إستبرق ، وقرأ ابن كثير وشعبة بجرّ خضر ورفع إستبرق.
وحاصل القراءات في ذلك أربع مراتب : الأولى : رفعهما ، الثانية : خفضهما ، الثالثة : رفع الأوّل وخفض الثاني ، الرابعة : عكس ذلك. فأمّا القراءة الأولى : فإنّ رفع خضر على النعت لثياب ورفع إستبرق نسق على الثياب ، ولكن على حذف مضاف أي : وثياب إستبرق ، وأمّا القراءة الثانية : فيكون جرّ خضر على النعت لسندس. ثم استشكل على هذا وصف المفرد بالجمع ، فقال مكي : هو اسم جمع ، وقيل : هو جمع سندسة كتمر وتمرة ، ووصف اسم الجنس بالجمع صحيح قال تعالى : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرعد : ١٢] ، (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) [يس : ٨٠] وإذا كانوا قد وصفوا المحلى لكونه مرادا به الجنس بالجمع في قولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض وفي التنزيل (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ) فلأن يوجد ذلك في أسماء الجموع أو أسماء الأجناس الفارق بينها وبين واحدها تاء التأنيث بطريق الأولى ، وجرّ إستبرق نسقا على سندس لأنّ المعنى : ثياب من سندس وثياب من إستبرق ، وأمّا القراءة الثالثة : فرفع خضر نعتا لثياب وجرّ إستبرق نسقا على سندس أي : ثياب خضر من سندس ومن إستبرق ، فعلى هذا يكون الإستبرق أيضا أخضر ، وأمّا القراءة الرابعة : فجرّ خضر على أنه نعت لسندس ورفع إستبرق على النسق على ثياب بحذف مضاف أي : وثياب إستبرق.
ثم أخبر تعالى عن تحليتهم بقوله سبحانه (وَحُلُّوا) أي : المخدوم والخادم (أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب وهي بالغة من الأعضاء ما يبلغه التحجيل في الوضوء كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» (١) فلذلك كان أبو هريرة يرفع إلى المنكبين وإلى الساقين.
تنبيه : قال هنا : (أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وفي سورة فاطر : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [فاطر : ٣٣] وفي سورة الحج : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) [الحج : ٢٣] فقيل : حلي الرجال الفضة وحلي النساء الذهب. وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة. وقيل : يجمع في يدي أحدهم سواران من ذهب ، وسواران من فضة ، وسواران من لؤلؤ لتجتمع لهما محاسن الجنة قاله سعيد بن المسيب. وقيل : يعطى كل أحد ما يرغب فيه وتميل نفسه إليه. وقيل : أسورة الفضة إنما تكون للولدان وأسورة الذهب للنساء. وقيل : هذا للنساء والصبيان. وقيل : هذا يكون بحسب الأوقات والأعمال.
__________________
(١) أخرجه النسائي في الطهارة حديث ١٤٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٢ ، ٣٧١. بلفظ : «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء».