تنقطع بمخالفة الدين وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : الملك الأعظم في مخالفة حكمه والإهمال فيه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : لتكونوا إذا فعلتم ذلك على رجاء عند أنفسكم أن يكرمكم الذي لا قادر على الإكرام في الحقيقة غيره بأنواع الكرامات كما رحمتم إخوانكم بإكرامكم عن إفساد ذات البين.
وعن الزهري عن سالم عن أبيه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» (١).
تنبيه : في هاتين الآيتين دليل على أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنّ الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين يدل عليه ما روي عن عليّ بن أبي طالب سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون. فقال : لا من الشرك فرّوا فقيل : أمنافقون هم فقال : لا إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل : فما حالهم قال : إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج عن الإمام العدل بتأويل محتمل وشوكة لهم ومطاع تحصل به قوّة الشوكة ، وإن لم يكن لهم إمام والحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام أمينا فطنا ناصحا ينصحهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها وإن أصروا نصحهم ثم أعلمهم بالقتال ، فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صوابا.
والحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم ولا يستعمل في قتال إلا لضرورة ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق إلا لضرورة ، ولو أقاموا حدّا أو أخذوا زكاة وجزية وخراجا وفرّقوا سهم المرتزقة على جندهم صح ما فعلوه ، وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن كان بسبب قتال فلا ضمان على واحد منهما ، وإلا فعلى المتلف الضمان. قال ابن سهل : كانت في تلك الفتنة دماء يغرق في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه ولو أظهر قوم رأي الخوارج كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة ولم يقاتلوا فلا نتعرّض لهم.
روي أنّ عليا سمع رجلا يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله تعالى. فقال عليّ رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاثة لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دام أيديكم مع أيدينا ولا نبدأكم بقتال فإن قاتلوا فحكمهم حكم قطاع الطريق ، وتفريعات أحكام البغاة مذكورة في الفقه. وفي هذا القدر كفاية.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أوقعوا الإقرار بالتصديق (لا يَسْخَرْ) أي : لا يهزأ والسخرية : هي أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته (قَوْمٌ) أي : ناس فيهم قوة المحاولة وهم الرجال وفي التعبير بذلك تنبيه على قيام الإنسان على نفسه وكفها عما تريده من النقائص منكرا لما أعطاه الله تعالى من القوّة (مِنْ
__________________
(١) أخرجه البخاري في المظالم حديث ٢٤٤٢ ، ومسلم في البر حديث ٢٥٨٠ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٨٩٣ ، والترمذي في الحدود حديث ١٤٢٦.