الطاغي هو صاحب المأوى ، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره تركت الإضافة.
تنبيه : (هِيَ) يجوز أن تكون فصلا أو مبتدأ.
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : قيامه بين يديه لعلمه بالمبدأ وبالمعاد ، وقال مجاهد : خوفه في الدنيا من الله تعالى عند مواقعة الذنب فيقلع عنه نظيره (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦](وَنَهَى النَّفْسَ) أي : الأمارة بالسوء (عَنِ الْهَوى) وهو اتباع الشهوات وزجرها عنها وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير.
(فَإِنَّ الْجَنَّةَ) أي : البستان لكل ما يشتهى (هِيَ) أي : خاصة (الْمَأْوى) أي : ليس له سواها مأوى ، وحاصل الجواب أنّ العاصي في النار والطائع في الجنة. قال الرازي : هذان الوصفان مضادان للوصفين المتقدّمين فقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) ضد قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى. وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) ضد قوله تعالى : (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات. وقال عبد الله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحق الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق ، فتعوّذوا بالله من ذلك الزمان.
تنبيه : اختلف في سبب نزول هاتين الآيتين ، فقيل : نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه. روى الضحاك عن ابن عباس قال : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) فهو أخو مصعب بن عمير أسر يوم بدر وأخذته الأنصار فقالوا : من أنت ، قال : أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدّوه في الوثاق وأكرموه وبيتوه عندهم فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير حديثه ، فقال : ما هو لي بأخ شدّوا أسيركم ، فإنّ أمّه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا ، فأوثقوه حتى تبعث أمّه فداءه ، (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فمصعب بن عمير وقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، والمشاقص جمع مشقص وهو السهم العريض ، فلما رآه صلىاللهعليهوسلم متشحطا في دمه قال صلىاللهعليهوسلم : «عند الله أحتسبك» وقال صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإنّ شراك نعله من ذهب» (١) وعن ابن عباس أيضا : نزلت في رجلين أبي جهل بن هشام ومصعب بن عمير (٢). وقال السدي : نزلت الآية الثانية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقال الكلبي : هما عامّتان.
ولما سمع المشركون أخبار القيامة ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل الطامّة الكبرى والصاخة والقارعة وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم استهزاء متى تكون الساعة؟ نزل : (يَسْئَلُونَكَ) يا أشرف الخلق (عَنِ السَّاعَةِ) أي : البعث الآخر لكثرة ما تتوعدهم به من أمرها (أَيَّانَ مُرْساها) أي : في أي وقت إرساؤها ، أي : إقامتها أرادوا متى يقيمها الله تعالى ويثبتها ويكوّنها ، أو أيان منتهاها ومستقرّها ، كما أنّ مرسى السفينة مستقرّها حيث تنتهي إليه.
فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه : (فِيمَ) أي : في أي شيء (أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) أي : من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به.
تنبيه : (فِيمَ) خبر مقدّم و (أَنْتَ) مبتدأ مؤخر و (مِنْ ذِكْراها) متعلق بما تعلق به الخبر،
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٠٨.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٥١٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١٣٣.