(مَخْتُومٍ) أي : ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار. وقال القفال : يحتمل أن يكون ختم عليه تكريما له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان ، وهناك خمر أخرى تجري أنهارا لقوله تعالى : (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) [محمد : ١٥] إلا أنّ هذا المختوم أشرف من الجاري.
(خِتامُهُ مِسْكٌ) أي : آخر شربه يفوح منه مسك ، فالمختوم الذي له ختام ، أي : آخر شربه ، وختم كل شيء الفراغ منه. وقال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك. وقال ابن زيد : ختامه عند الله مسك. وقيل : طينه مسك. وقيل : تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة.
(وَفِي ذلِكَ) أي : الأمر العظيم البعيد التناول ، وهو العيش والنعيم أو الشراب الذي هذا وصفه (فَلْيَتَنافَسِ) أي : فليرغب غاية الرغبة بجميع الجهد والاختيار (الْمُتَنافِسُونَ) أي : الذين من شأنهم المنافسة ، وهو أن يطلب كل منهم أن يكون ذلك المتنافس فيه لنفسه خاصة دون غيره ؛ لأنه نفيس جدا ، والنفيس هو الذي تحرص عليه نفوس الناس وتتغالى فيه ، والمنافسة في مثل هذا بكثرة الأعمال الصالحة والنيات الخالصة.
وقال مجاهد : فليعمل العاملون نظيره قوله تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [الصافات : ٦١] وقال مقاتل بن سليمان : فليسارع المتسارعون. وقال عطاء : فليستبق المستبقون. وقال الزمخشري : فليرتقب المرتقبون. والمعنى : واحد. وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس ويريده كل أحد لنفسه ، وينفس فيه على غيره أي : يضنّ.
(وَمِزاجُهُ) أي : ما يمزج به ذلك الرحيق (مِنْ تَسْنِيمٍ) وهو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه ؛ لأنها تأتيهم من فوق على ما روي أنها تجري في الهواء مسنمة فتصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة ، فإذا امتلأت أمسكت.
وقوله تعالى : (عَيْناً) نصب على المدح ، وقال الزجاج : نصب على الحال. (يَشْرَبُ بِهَا) أي : بسببها على طريقة المزج منها (الْمُقَرَّبُونَ) وضمن يشرب معنى يلتذ ، فهم يشربونها صرفا ، وتمزج سائر أهل الجنة.
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي : قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وهم رؤوساء قريش. (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) وهم فقراء الصحابة عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين (يَضْحَكُونَ) أي : استهزاء بهم.
(وَإِذا مَرُّوا) أي : المؤمنون (بِهِمْ) أي : بالذين أجرموا (يَتَغامَزُونَ) أي : يشير المجرمون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء بهم. وقيل : يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم. قيل : جاء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع وضحكوا منه ، فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا) أي : رجع الذين أجرموا برغبتهم في الرجوع وإقبالهم عليه من غير تكرّه (إِلى أَهْلِهِمُ) أي : منازلهم التي هي عامرة بجماعتهم. وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بضم الهاء والميم ، وأبو عمرو بكسر الهاء ، والباقون بكسر الهاء وضم الميم (انْقَلَبُوا) حالة كونهم (فَكِهِينَ) أي : متلذذين بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم ، قال