ابن برجان : روي عنه عليه الصلاة والسلام : «إن الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» (١) «يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر» (٢) وفي أخرى : «يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة» (٣) وفي أخرى : «العالم فيهم أنتن من جيفة حمار فالله المستعان» (٤). وقرأ حفص بغير ألف بين الفاء والكاف والباقون بالألف ، قيل هما بمعنى ، وقيل : فكهين فرحين وفاكهين ناعمين. وقيل : فاكهين أصحاب فاكهة ومزاح.
(وَإِذا رَأَوْهُمْ) أي : رأى المجرمون المؤمنين (قالُوا) أي : المجرمون (إِنَّ هؤُلاءِ) أي : المؤمنين (لَضالُّونَ) أي : لإيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم يرون أنهم على شيء ، وهم على ضلال في تركهم التنعيم الحاضر بسبب شيء لا يدرى هل له وجود أم لا؟
قال الله تعالى : (وَما) أي : والحال أنهم ما (أُرْسِلُوا) أي : الكفار (عَلَيْهِمْ) أي : على المؤمنين (حافِظِينَ) أي : موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ، ويشهدون برشدهم وضلالهم ، وهذا تهكّم بهم. وقيل : هو من جملة قول الكفار ، وأنهم إذا رأوا المسلمين قالوا : إنّ هؤلاء لضالون ، وإنهم لم يرسلوا عليهم حافظين ، إنكار لصدّهم إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإسلام ، وجدّهم في ذلك.
وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ) منصوب بيضحكون ، ولا يضر تقديمه على المبتدأ ؛ لأنه لو تقدّم العامل هنا لجاز ؛ إذ لا لبس بخلاف : زيد قام في الدار لا يجوز في الدار زيد قام ، ومعنى فاليوم أي : في الآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا) ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان (مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) وفي سبب هذا الضحك وجوه منها :
أنّ الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدينا بسبب ما هم فيه من الضر والبؤس ، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكافرين بسبب ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والكبر ، ومن ألوان العذاب بعد النعيم والترفه.
ومنها أنهم علموا أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء ، وأنهم باعوا الباقي بالفاني.
ومنها أنهم يرون أنفسهم قد فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالتعب اليسير راحة الأبد.
ومنها : قال أبو صالح : يقال لأهل النار وهم فيها : اخرجوا وتفتح لهم أبوابها فإذا رأوها وقد فتحت أبوابها أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم ، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلّقت دونهم ، يفعل ذلك بهم مرارا فذلك سبب الضحك.
ومنها : أنهم إذا دخلوا الجنة وأجلسوا على الأرائك ينظرون إلى الكفار كما قال تعالى : (عَلَى الْأَرائِكِ) أي : الأسرة العالية (يَنْظُرُونَ) إليهم كيف يعذبون في النار ويرفعون أصواتهم بالويل والثبور ويلعن بعضهم بعضا.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٤٥ ، والترمذي في الإيمان حديث ٢٦٢٩ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٣٩٨٦ ، وأحمد في المسند ١ / ١٨٤ ، ٣٩٨ ، ٢ / ١٧٧ ، ٢٢٢ ، ٣٨٩ ، ٤ / ٧٣.
(٢) أخرجه الترمذي في الفتن حديث ٢٢٦٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٩٠ ، ٣٩١.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٤) الحديث لم أجده.