وقوله تعالى : (فَما لَهُمْ) أي : الكفار (لا يُؤْمِنُونَ) استفهام إنكار ، أي : أيّ مانع لهم من الإيمان ، أو أي حجة في تركه بعد وجود براهينه.
(وَ) ما لهم (إِذا قُرِئَ) أي : من أي قارئ قراءة مشروعة (عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ) أي : الجامع لكل ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم الفارق بين كل ملتبس (لا يَسْجُدُونَ) أي : لا يخضعون بأن يؤمنوا به لإعجازه ، أو لا يصلون قاله مقاتل ، أو لا يسجدون لتلاوته لما روي أنه صلىاللهعليهوسلم «قرأ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] فسجد ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق رؤوسهم فنزلت» (١). وعن أبي هريرة قال : «سجدنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) و إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» (٢). وعن نافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فسجد فقلت : ما هذه؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلىاللهعليهوسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه. وليس في ذلك دلالة على وجوبها فهي مندوبة. وعن الحسن : هي واجبة. واحتج أبو حنيفة على وجوب السجود بأنه تعالى ذمّ من سمعه ولم يسجد. وعن ابن عباس : ليس في المفصل سجدة ، وما روى أبو هريرة يخالفه. وعن أنس : صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فسجدوا.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) أي : بالقرآن والبعث.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) أي : بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر والحسد والبغي والبغضاء ، أو بما يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب وأعمال السوء ، ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب.
وقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم استهزاء بهم ، أو أنّ البشارة بمعنى الإخبار ، أي : أخبرهم.
وقوله تعالى : (إِلَّا) استثناء منقطع ، أي : لكن (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تحقيقا لإيمانهم (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي : غير مقطوع ولا منقوص ولا ممنون به عليهم. وقول البيضاوي تبعا للزمخشري : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) أعاذه الله تعالى أن يعطيه كتابه وراء ظهره» (٣) حديث موضوع.
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٤ / ٢٨٨.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧٣٩.