الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم وقوله تعالى : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) يجوز أن يكون بدلا من الجنود ، واستشكل كونه بدلا ؛ لأنه لم يكن مطابقا للمبدل منه في الجمعية. وأجيب : بأنه على حذف مضاف ، أي : جنود فرعون وأنّ المراد فرعون وقومه ، واستغنى بذكره عن ذكرهم لأنهم أتباعه ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه.
والمعنى : إنك قد عرفت ما فعل الله تعالى بهم حين كذبوا رسلهم كيف هلكوا بكفرهم فقومك إن لم يؤمنوا بك فعل بهم كما فعل بهؤلاء ، فاصبر كما صبر الأنبياء قبلك على أممهم.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : من هؤلاء الذين لا يؤمنون بك (فِي تَكْذِيبٍ) لك لا يرعوون عنه ، ومعنى الإضراب : أنّ حالهم أعجب من حال هؤلاء فإنهم سمعوا قصتهم ورأوا آثار هلاكهم وكذبوا أشدّ من تكذيبهم ، وإنما خص فرعون وثمود لأنّ ثمود في بلاد العرب وقصتهم عندهم مشهورة ، وإن كانوا من المتقدّمين ، وأمر فرعون كان مشهورا عند أهل الكتاب وغيرهم ، وكان من المتأخرين في الهلاك فدل بهما على أمثالهما.
وقوله تعالى : (وَاللهُ) أي : والحال أن الملك الذي له الكمال كله (مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) وفيه وجوه :
أحدها : أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحصره ، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه ينسدّ عليه مسلكه فلا يجد مهربا ، يقول الله تعالى : فهم كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم.
ثانيها : أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] فهو عبارة عن مشارفة الهلاك.
ثالثها : أنه تعالى محيط بأعمالهم ، أي : عالم بها فيجازيهم عليها.
(بَلْ هُوَ) أي : هذا القرآن الذي كذبوا به ، وهو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (قُرْآنٌ) أي : جامع لكل منفعة جليلة بالغ الذروة العليا في كل شرف (مَجِيدٌ) أي : شريف وحيد في اللفظ والمعنى ، وليس كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة.
(فِي لَوْحٍ) هو في الهواء فوق السماء السابعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده ، دينه الإسلام ، ومحمد عبده ورسوله ، فمن آمن بالله عزوجل وصدّق بوعيده واتبع رسله أدخله الجنة ، قال : واللوح لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، وحافتاه الدرّ والياقوت ، ودفتاه ياقوتة حمراء ، وقلمه نور وكلامه نور ، معقود بالعرش وأصله في حجر ملك.
وقرأ (مَحْفُوظٍ) بالرفع نافع على أنه نعت لقرآن ، والباقون بالجرّ على أنه نعت للوح. وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش وقال البغوي : هو أمّ الكتاب ، ومنه تنسخ الكتب محفوظ من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان. وقول البيضاوي تبعا للزمخشري إنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة البروج أعطاه الله تعالى بعدد كل يوم جمعة وكل يوم عرفة يكون في الدنيا عشر حسنات» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧٣٤.