عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] مع أنه صلىاللهعليهوسلم ما أشرك البتة ففائدة هذا الاستثناء أنّ الله تعالى يعرفه قدرته حتى يعلم أنّ عدم النسيان من فضل الله تعالى وإحسانه لا من قوّته.
ثالثها : أنّ الله تعالى لما ذكر هذا الاستثناء جوّز صلىاللهعليهوسلم في كل ما ينزل عليه من الوحي أن يكون ذلك هو المستثنى ، فلا جرم بالغ في التثبت والتحفظ في جميع المواضع ، فكان المقصود من ذكر الاستثناء بقاءه صلىاللهعليهوسلم على التيقظ في جميع الأحوال.
رابعها : أن ينساه بنسخ تلاوته وحكمه ، وكان صلىاللهعليهوسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليهالسلام خوف النسيان فكأنه قيل له : لا تعجل بها إنك لا تنسى ولا تتعب نفسك بالجهر بها.
(إِنَّهُ) أي : الذي مهما شاء كان (يَعْلَمُ الْجَهْرَ) أي : القول والفعل (وَما يَخْفى) أي : منهما ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما في قلبك ونفسك. وقال محمد بن حاتم يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها. وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك ، وما يخفى ما نسخ من صدرك.
وقوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) عطف على سنقرؤك ، فهو داخل في حيز التنفيس ، وما بينهما من الجملة اعتراض. قال الضحاك : واليسرى هي الشريعة اليسرى وهي الحنيفية السهلة. وقال ابن مسعود : اليسرى الجنة ، أي : نيسرك إلى العمل المؤدّي إلى الجنة ، وقيل : اليسرى الطريقة اليسرى ، وهي أعمال الخير.
والأمر في قوله تعالى : (فَذَكِّرْ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أي : فذكر بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) أي : الموعظة ، وإن شرطية ، وفيه استبعاد لتذكرهم. ومنه قول القائل (١) :
لقد أسمعت لو ناديت حيا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
ولأنه صلىاللهعليهوسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم ، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّا وطغيانا ، وكان صلىاللهعليهوسلم يتلظى حسرة وتلهفا ويزداد جهدا في تذكيرهم ، وحرصا عليه فقيل : إن نفعت الذكرى وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. وقيل : إن بمعنى إذا كقوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] وقيل : بعده شيء محذوف تقديره إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد قاله الفراء والنحاس. وقيل : إن بمعنى ما لا بمعنى الشرط لأنّ الذكرى باقية بكل حال.
ثم بين تعالى من تنفعه الذكرى بقوله سبحانه : (سَيَذَّكَّرُ) أي : بوعد لا خلف فيه (مَنْ يَخْشى) أي : يخاف الله تعالى فهي كآية (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] وإن كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يجب عليه تذكيرهم نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم. وقال ابن عباس : نزلت في ابن أمّ مكتوم. وقيل : في عثمان بن عفان. قال الماوردي : وقد تذكر من يرجوه إلا أن تذكر الخاشع أبلغ فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء. وقال القشيري : المعنى : عمم أنت بالتذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى ، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء. فإن قيل : التذكير إنما يكون بشيء قد علم ، وهؤلاء لم يزالوا كفارا معاندين! أجيب : بأنّ ذلك لظهوره وقوّة دليله ، كأنه معلوم لكنه يزول بسبب التقليد والفساد.
تنبيه : السين في قوله تعالى : (سَيَذَّكَّرُ) يحتمل أن تكون بمعنى سوف ، وسوف من الله تعالى
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في تاج العروس (حيي).