سبعين شهرا ما كفرت بالله ، وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها ، وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعة فقالت : لو ذبحت من في الأرض على فيّ ما كفرت بالله عزوجل ، فأتى بابنتها فلما اضجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة فانطق الله تعالى لسان ابنتها فتكلمت ، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالا وقالت : يا أمّاه لا تجزعي فإن الله تعالى قد بنى لك بيتا في الجنة فاصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله تعالى وكرامته ، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فاسكنها الله تعالى الجنة قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل : فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنه قد زوى في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون خلفه ، فلما رأيا ذلك انصرفا فقال حزقيل : اللهم أنت تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر عليّ أحد فأيما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجل في عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار ، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن ، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ فقال له فرعون : وهل معك غيرك؟ قال : نعم فلان فدعى به ، فقال : حق ما يقول هذا؟ قال : لا ما رأيت كما قال شيئا فأعطاه فرعون فأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه. قال : وكان فرعون قد تزوّج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي من فرعون وأنا مسلمة وهو كافر ، فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها ، فقالت : يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثه عمدت على الماشطة فقتلتها ، فقال : لعل بك الجنون الذي كان بها؟ قالت : ما بي من جنون ، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فمزق ما عليها وضربها وأرسل على أبويها فدعاهما فقال لهما : ألا تريان أنّ الجنون الذي كان بالماشطة أصابها. قالت : أعوذ بالله من ذلك إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له ، فقال أبوها : يا آسية ألست من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق ، قالت : أعوذ بالله من ذلك إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوّجني تاجا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله ، فقال لهما فرعون : أخرجاها عني فمدّها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) [التحريم : ١١] فقبض الله تعالى روحها وأدخلها الجنة. وروي عن أبي هريرة أنّ فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وجعل على صدرها رحا واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء ، وقالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) ففرج الله تعالى عن بيتها في الجنة فرأته.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ طَغَوْا ،) أي : تجبروا (فِي الْبِلادِ) في محل نصب على الذم ، ويجوز أن يكون مرفوعا على هم الذين طغوا في البلاد ، أو مجرورا على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون فالضمير يرجع لعاد وثمود وفرعون وقيل : يرجع إلى فرعون خاصة.
(فَأَكْثَرُوا ،) أي : طغاتهم (فِيهَا الْفَسادَ ،) أي : بالقتل والكفر والمعاصي قال القفال : وبالجملة فالفساد ضد الصلاح يتناول جميع أقسام البر ، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم فمن عمل بغير أمر الله تعالى وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
(فَصَبَّ ،) أي : أنزل إنزالا هو في غاية القوة (عَلَيْهِمْ ،) أي : في الدنيا (رَبُّكَ ،) أي: