التكذيب بطغيانها كما تقول : ظلمني بجراءته على الله تعالى. وقيل : كذبت بما أوعدت به من عذاب ذي الطغوى كقوله تعالى : (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة : ٥].
(إِذِ ،) أي : تحقق تكذيبهم أو طغيانهم بالفعل حين (انْبَعَثَ أَشْقاها ،) أي : قام وأسرع وذلك أنهم لما كذبوا بالعذاب ، وكذبوا صالحا عليهالسلام انبعث أشقى القوم وهو قدار بن سالف وكان رجلا أشقر أزرق قصيرا فعقر الناقة ، وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم يخطب فذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها انبعث لها رجل عزيز عارم متبع في أهله مثل أبي زمعة» (١). وقوله : عارم ، أي : شديد ممتنع. قال الزمخشري : ويجوز أن يكونوا جماعة. والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
تنبيه : إذ منصوب بكذبت أو بطغواها.
(فَقالَ لَهُمْ ،) أي : بسبب الانبعاث أو التكذيب الذي دل على قصدهم لها بالأذى (رَسُولُ اللهِ ،) أي : صالح عليهالسلام ، وعبر بالرسول لأنّ وظيفته الإبلاغ والتحذير الذي ذكر هنا ، ولذلك قال تعالى مشيرا بحذف العامل إلى ضيق الحال عن ذكره لعظم الهول وسرعة التعذيب عند مسها بالأذى. وزاد في التعظيم بإعادة الجلالة (ناقَةَ اللهِ ،) أي : الملك الأعظم الذي له الأمر كله ، وهي منصوبة على التحذير كقولك : الأسد الأسد ، والصبي الصبي بإضمار اتقوا أو احذروا ناقة الله. (وَسُقْياها ،) أي : وشربها في يومها ، وكان لها يوم ولهم يوم ؛ لأنهم لما اقترحوا الناقة فأخرجها لهم من الصخرة جعل لهم شرب يوم من بئرهم ، ولها شرب يوم فشق عليهم. وإضافة الناقة إلى الله تعالى إضافة تشريف كبيت الله.
(فَكَذَّبُوهُ ،) أي : صالحا عليهالسلام بطغيانهم في وعيدهم بالعذاب (فَعَقَرُوها ،) أي : عقرها الأشقى بسبب ذلك التكذيب ، وأضيف إلى الكل ؛ لأنهم رضوا بفعله ، وإن كان العاقر جماعة فواضح. وقال قتادة : بلغنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم. وقال الفرّاء : عقرها اثنان ، والعرب تقول : هذان أفضل الناس وهذان خير الناس ، وهذه المرأة أشقى القوم ولهذا لم يقل أشقياها.
(فَدَمْدَمَ) أي فأطبق (عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ،) أي : الذي أحسن إليهم فغمرهم إحسانه فقطعه عنهم بسبب تكذيبهم فأهلكهم وأطبق عليهم العذاب ، يقال : دمدمت عليه القبر أطبقته عليه (بِذَنْبِهِمْ ،) أي : بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم الناقة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ ،) أي : بجرمهم. وقال القشيري : وقيل : دمدمت على الميت التراب ، أي : سوّيته عليه. فالمعنى على هذا : فجعلهم تحت التراب ، (فَسَوَّاها ،) أي : فسوّى عليهم الأرض فجعلهم تحت التراب وعلى الأوّل فسوّى الدمدمة عليهم ، أي : عمهم بها فلم يفلت منهم أحدا.
وقرأ (وَلا يَخافُ) نافع وابن عامر بالفاء ، والباقون بالواو فالفاء تقتضي التعقيب ، والواو يجوز أن تكون للحال ، وأن تكون للاستئناف الإخباري. وضمير الفاعل في يخاف الأظهر عوده على الله تعالى ؛ لأنه أقرب مذكور ، وهو قول ابن عباس ، ويؤيده قراءة الفاء المسببة عن الدمدمة والتسوية والهاء في قوله تعالى : (عُقْباها) ترجع إلى الفعلة ، وذلك لأنه تعالى يفعل ذلك بحقّ.
__________________
(١) انظر القرطبي في تفسيره ٧ / ٢٤١.