وعن ابن عباس قال : نزلت في أمية بن خلف ، وعنه فسنيسره للعسرى ، أي : سأحول بينه وبين الإيمان بالله ورسوله.
وعنه أيضا (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ،) أي : بماله واستغنى عن ربه (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ،) أي : بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله سبحانه : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) [سبأ : ٣٩] وقال مجاهد : (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ،) أي : بالجنة ، وعنه بلا إله إلا الله.
ويجوز في ما في قوله تعالى :
(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) أن تكون نافية ، أي : لا يغني عنه ماله شيئا وأن تكون استفهاما إنكاريا ، أي : أيّ شيء يغني عنه ماله (إِذا تَرَدَّى) قال أبو صالح : أي إذا سقط في جهنم. وقيل : هو كناية عن الموت كما قال القائل (١) :
نصيبك مما تجمع الدهر كله |
|
رداآن تطوى فيهما وحنوط |
ولما عرفهم سبحانه أنّ سعيهم شتّى وبين ما للمحسنين من اليسرى وما للمسيئين من العسرى أخبرهم بأنّ عليه بيان الهدى من الضلال بقوله تعالى :
(إِنَّ عَلَيْنا ،) أي : بما لنا من القدرة والعظمة (لَلْهُدى ،) أي : للإرشاد إلى الحق بموجب قضائنا ، أو بمقتضى حكمتنا فنبين طريق الهدى من طريق الضلال ليمتثل أمرنا بسلوك الأوّل ، ونهينا عن ارتكاب الثاني. وقال الفراء : معناه إن علينا للهدى والإضلال فحذف المعطوف ، كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] وهو معنى قول ابن عباس : يريد أرشد أوليائي للعمل بطاعتي ، وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي ، وهو معنى الإضلال. وقيل : معناه من سلك سبيل الهدى فعلى الله تعالى سبيله كقوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) [النحل : ٩].
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ،) أي : لنا ما في الدنيا والآخرة فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق. وعن ابن عباس قال : ثواب الدنيا والآخرة. وهو كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤].
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ،) أي : حذرتكم وخوّفتكم يا أيها المخالفون للطريق الذي بينته (ناراً تَلَظَّى) بحذف إحدى التاءين من الأصل ، أي : تتلهب وتتوقد وتتوهج ، يقال : تلظت النار تلظيا ، ومنه سميت جهنم لظى. وقرأ البزي في الوصل بتشديد التاء وهو عسر لالتقاء الساكنين على غير حدّهما ، وهو نظير قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) [النور : ١٥] والباقون بغير تشديد.
(لا يَصْلاها ،) أي : لا يقاسي شدّتها على طريق اللزوم والانغماس (إِلَّا الْأَشْقَى ،) أي : الذي هو في الذروة من الشقاوة وهو الكافر فإنّ الفاسق وإن دخلها لم يلزمها ولذلك سماه أشقى ووصفه بقوله تعالى : (الَّذِي كَذَّبَ) النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَتَوَلَّى ،) أي : عن الإيمان ، أو كذب الحق وأعرض عن الطاعة أو الأشقى بمعنى الشقي كقوله : لست فيها بأوحد ، أي : واحد. والحصر مؤوّل لقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] فيكون المراد الصليّ المؤبد.
(وَسَيُجَنَّبُهَا ،) أي : النار الموصوفة بوعد لا خلف فيه (الْأَتْقَى ،) أي : الذي اتقى الشرك
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.