وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو. وقيل : ذنوب أمتك ، وأضافها إليه لاشتغال قلبه بها.
(الَّذِي أَنْقَضَ ،) أي : أثقل (ظَهْرَكَ) قال أبو عبيدة : خففنا عنك أعباء النبوّة والقيام بها حتى لا تثقل عليك وقيل : كان في الابتداء يثقل عليه الوحي حتى يكاد يرمي نفسه من شاهق إلى أن جاءه جبريل عليهالسلام ، وأزال عنه ما كان يخاف من تغير العقل وقيل : عصمناك من احتمال الوزر ، وحفظناك قبل النبوّة في الأربعين من الأدناس ، حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر.
(وَرَفَعْنا ،) أي : بما لنا من القدرة التامّة (لَكَ ذِكْرَكَ) روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : يقول الله عزوجل : لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان والإقامة والتشهد ، ويوم الجمعة على المنابر ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة ، وأيام التشريق ، وعند الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وفي خطبة النكاح ، ومشارق الأرض ومغاربها.
ولو أنّ رجلا عبد الله تعالى ، وصدّق بالجنة والنار ، وكل شيء ولم يشهد أنّ محمدا رسول الله لم ينتفع بشيء ، وكان كافرا وقيل : أعلينا ذكرك فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك ، وأمرناهم بالبشارة بك ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين ، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود وكرائم الدرجات. وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ، ولا تجوز خطبة إلا به. وقال مجاهد : يعني التأذين. وفيه يقول حسان بن ثابت (١) :
أغرّ عليه للنبوّة خاتم |
|
من الله مشهور يلوح ويشهد |
وضم الإله اسم النبيّ إلى اسمه |
|
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد |
وشق له من اسمه ليجله |
|
فذو العرش محمود وهذا محمد |
وقيل : رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله. وقيل : عام في كل ما ذكر ، وهذا أولى وكم من موضع في القرآن يذكر فيه النبيّ صلىاللهعليهوسلم من ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢]. وقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ) [الأحزاب : ٧١]. وقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [المائدة : ٩٢].
ولما كان المشركون يعيرونه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، ذكره ما أنعم الله به عليه من جلائل النعم ، ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدّة فقال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ ،) أي : ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم (يُسْراً ،) أي : كالشرح والوضع والتوفيق للاهتداء والطاعة فلا تيأس من روح الله إذا عراك ما يهمك ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا. فإن قيل : إنّ مع للصحبة فما معنى اصطحاب العسر واليسر؟ أجيب : بأن الله تعالى أراد أن يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية وتقوية القلوب.
وقوله تعالى : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) استئناف وعد الله تعالى بأن العسر متبوع بيسر آخر
__________________
(١) الأبيات من الطويل ، وهي في ديوان حسان بن ثابت ص ٣٣٨.