ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم لعائشة : «إياك ومحقرات الذنوب فإنّ لها من الله تعالى طالبا» (١) وقال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق. وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية.
وقال كعب الأحبار : لقد أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.) وكان صلىاللهعليهوسلم يسمي هذه الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال : «ما نزل عليّ فيها شيء غير هذه الآية الجامعة الفاذة» (٢) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.) وروى مالك في الموطأ أنّ مسكينا استطعم عائشة رضي الله عنها وبين يديها عنب ، فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويتعجب فقالت : أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرّة (٣) ، وكذا تصدّق عمر رضي الله عنه ، وإنما فعلا ذلك لتعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة. قال الربيع بن خيثم مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه الآية فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة.
تنبيه : قوله تعالى : (يَرَهُ) جواب الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكون هاء يره وصلا في الحرفين ، والباقون بضمها وصلا وساكنة وقفا كسائر هاء الكناية. وقول البيضاوي تبعا للزمخشري عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ إذا زلزلت أربع مرّات كان كمن قرأ القرآن كله» (٤) ، رواه الثعلبي بسند ضعيف لكن يشهد له ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعا «إذا زلزلت تعدل ربع القرآن» (٥).
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه حديث ٤٢٤٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٢٦ ، وابن كثير في تفسيره ٧ / ٤٦١ ، ٨ / ٤٨٣.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٨ ، وتفسير سورة ٩٩ ، باب ١ ، ٢ ، والاعتصام باب ٢٤ ، ومسلم في الزكاة حديث ٢٤ ، ومالك في الجهاد حديث ٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٦٢ ، ٣٨٣ ، ٤٢٤.
(٣) أخرجه مالك في الصدقة حديث ٦.
(٤) أخرجه القرطبي في تفسيره ٢٠ / ١٤٦
(٥) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣٤٤ ، والقرطبي في تفسيره ٢٠ / ١٤٦.