وجواب القسم قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي : هذا النوع بما له من الأنس بنفسه والنسيان لما ينفعه (لِرَبِّهِ) المحسن إليه بإبداعه ثم بإبقائه وتدبيره وتربيته (لَكَنُودٌ) قال ابن عباس : لكفور جحود لنعم الله تعالى. وقال الكلبي : هو بلسان ربيعة ومضر الكفور وبلسان كندة وحضرموت العاصي. وقال الحسن : هو الذي يعدّ المصائب وينسى النعم وقال أبو عبيدة : هو قليل الخير والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا ، وفي الحديث عن أبي أمامة هو الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده. وقال الفضيل بن عياض : الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان ، والشكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة.
(وَإِنَّهُ) أي : الإنسان (عَلى ذلِكَ) أي : الكنود العظيم حيث أقدم على مخالفة الملك الأعظم المحسن مع الكفر لإحسانه (لَشَهِيدٌ) أي : يشهد على نفسه ولا يقدّر أن يجحده لظهور أثره عليه ، أو أن الله تعالى على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد.
(وَإِنَّهُ) أي : الإنسان من حيث هو (لِحُبِ) أي : لأجل حب (الْخَيْرِ) أي : المال الذي لا يعدّ غيره لجهله خيرا (لَشَدِيدٌ) أي : بخيل بالمال ضابط له ممسك عليه ، أو بليغ القوة في حبه لأنّ منفعته في الدنيا ، وهو متقيد بالعاجل الحاضر المحسوس مع علمه بأنّ أقل ما فيه أنه يشغله عن حسن الخدمة لربه تعالى ، ومع ذلك فهو لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق ، وهو لحب عبادة ربه وشكر نعمته ضعيف متقاعس.
ثم سبب عن ذلك قوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ) أي : هذا الإنسان الذي أنساه أنسه بنفسه (إِذا بُعْثِرَ) أي : انتثر بغاية السهولة وأخرج (ما فِي الْقُبُورِ) أي : من الموتى. قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع : جعلت أسفله أعلاه. قال محمد بن كعب : ذلك حين يبعثون. فإن قيل : لم قال : (ما فِي الْقُبُورِ) ولم يقل من ، ثم قال بعد ذلك : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ) أجيب عن الأوّل بأنّ ما في الأرض غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب ، أو أنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل يصيرون كذلك بعد البعث ، فلذلك كان الضمير الأوّل ضمير غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء.
(وَحُصِّلَ) أي : أخرج وجمع بغاية السهولة (ما فِي الصُّدُورِ) من خير وشر مما يظن مضمره أنه لا يعلمه أحد أصلا ، وظهر مكتوبا في صحائف الأعمال وهذا يدل على أن النيات يحاسب عليها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها. وتخصيص الصدر بذلك لأنه محله القلب.
(إِنَّ رَبَّهُمْ) أي : المحسن إليهم بخلقهم وخلقهم وتربيتهم (بِهِمْ يَوْمَئِذٍ) أي : إذا كانت هذه الأمور وهو يوم القيامة (لَخَبِيرٌ) أي : لمحيط بهم من جميع الجهات عالم غاية العلم ببواطن أمورهم فكيف بظواهرها ومعنى علمه بهم يوم القيامة مجازاته لهم ، وإلا فهو خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره فكيف ينبغي للعاقل أن يعلق آماله بالمال فضلا عن أن يؤثره على الباقي. وقول البيضاوي تبعا للزمخشري : عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة والعاديات أعطي من الأجر حسنات من بات بالمزدلفة وشهد جمعا» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧٩٥.